بيئة الإعلام المصرى وأنماط ملكيته وتوجهاته ترجح من الآن أننا لن نرى تغطية إعلامية متوازنة ومهنية وتتسم بالعدالة والشفافية بين المرشحين، ربما ستختلف درجات التحيز من وسيلة إلى أخرى بحسب نمط الملكية والإدارة، وربما تنجح بعض التغطيات هنا وهناك.. لكن المحصلة لن تكون مرضية.
والأسباب كثيرة، منها عدم عدالة الإنفاق على الدعاية الانتخابية، حيث قررت لجنة الانتخابات الحد الأقصى للإنفاق على الدعاية الانتخابية للمرشح الفردى بـ500 ألف جنيه فى الجولة الأولى و200 ألف جنيه فى الإعادة، وهى مبالغ كبيرة لن تكون فى مقدرة كثير من المرشحين، وبالتالى فالقرار دعوة غير مباشرة لاستبعاد غير القادرين من خوض الانتخابات أو البحث عن ظهير أو ممول للمرشح المستقل، حيث لا يمكن الثقة فى قدرة مرشح على المنافسة إذا أنفق على حملته مبالغ أقل من المسموح بها.
بعض المرشحين سينفقون بسخاء وستنال بعض الصحف والقنوات الخاصة نصيبا من كعكة الإنفاق على دعاية الأحزاب والمرشحين للبرلمان، ومن ثم يصعب ضمان حيادية وتوازن أغلب وسائل الإعلام، لأنه قد تميل نحو من يعلن لديها ويدفع أكثر!! والكارثة أن بعض رؤساء الأحزاب أو المرشحين يمتلكون صحفا وقنوات خاصة أو أسهما فيها، أى أن المصالح الانتخابية والسياسية ستختلط بملكية بعض وسائل الإعلام، والأمثلة كثيرة ومعروفة ولا داعى لذكرها هنا. أيضا هناك مخاوف من تحيز إعلام الدولة لصالح قائمة بعينها تدعى أنها الأقرب إلى مؤسسات الدولة أو مرشحين مستقلين، لكن لهم علاقات ببعض أجهزة الدولة.
فى هذا السياق يروج البعض لمقولة حرية الإعلام الخاص فى تأييد مرشح أو التحيز لصالحه، وهى مقولة فاسدة ومضللة، لأنه فى كل دول العالم الديمقراطية هناك قواعد مهنية ومواثيق شرف تضبط توازن التغطية الإعلامية فى الانتخابات، وفى الوقت نفسه حق الإعلام الخاص فى تأييد مرشح ضد آخر كرأى شخصى أو موقف يطرح فى حدود معينة، ومعروف أن أغلب وسائل الإعلام فى الدول الديمقراطية ملكية خاصة، ومع ذلك لم نر قناة أو وسيلة إعلامية تنحاز فى تغطيتها لصالح أحد المرشحين بحجة أنها قناة خاصة!!
أطالب الإعلام العام والخاص بتغطية أخبار المرشحين بطريقة متوازنة، من حيث تناول الأخبار وعدم الخلط بين الخبر والرأى، أو بين الخبر والإعلان، مع إدارة نقاش موضوعى متوازن لرؤى أو برامج كل حزب أو مرشح، وتنظيم وبث مناظرات بين القوائم الانتخابية التى يخصص لها قانون الانتخاب %31 من مجموع مقاعد البرلمان، شرط أن تجرى هذه المناظرات وفق أسس موضوعية تلتزم الحياد ولا تقع فريسة شركات الإعلان والجرى وراء المكسب كما أجريت المناظرة الشهيرة الأولى والأخيرة فى الانتخابات الرئاسية بين عمرو موسى وعبدالمنعم أبوالفتوح، فى هذا الإطار أشير إلى ضرورة وجود ممثل عن كل قائمة فى تنظيم المناظرات ووقت كل مناظرة، واقتراح الأسئلة ومكان انعقاد المناظرات، والتى أفضل أن تستضيفها إحدى الجامعات الحكومية فى حضور عدد من الطلبة والأساتذة وعدد من الإعلاميين يتفق ممثلى كل قائمة عليه، على أن يعود العائد من البث لدعم الأنشطة البحثية للجامعة المضيفة.
باختصار لا يمكن ضمان نزاهة وشفافية مناخ الانتخابات وحصول الناخبين على معلومات دقيقية عن المرشحين وبرامجهم فى ظل الفوضى الإعلامية الحالية، وبالتالى لابد من سرعة تفعيل مواد الدستور (المواد 211، 212، 213) التى تضمن إعادة تشكيل النظام الإعلامى ووضع ضوابط على تمويل وإدارة وسائل الإعلام والتزامها بالقواعد المهنية وبمواثيق الشرف الإعلامى، فضلا عن منع الاحتكار واستقلال إعلام الدولة عن التوجيهات الحكومية، مع تشجيع الإعلاميين على تنظيم أنفسهم فى نقابات مستقلة تكون قادرة على وضع مواثيق شرف تنظم عملها، ولنتذكر دائما أن خارطة الطريق فى 3 يوليو 2013 نصت على وضع ميثاق شرف إعلامى، وهو ما لم ير النور حتى اليوم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة