استوقفنى صديق قديم من قريتى وقال لى معاتبا وغاضبا «أنت هتقفوا معانا إمتى؟»، لم أفهم فى أول الأمر من نحن ومن هم، وبعد قليل فهمت أنه اعتبرنى الإعلام والصحافة واعتبر نفسه الناس، هو يعتقد أننا نعمل ضدهم، ومد يده فى سيالة جلابيته وأخرج ورقة فى حجم روشتة الطبيب وقال لى «اتفضل»، هى منشور وضعه مجهولون تحت عقب باب بيته، يطالب الناس بالنزول إلى الشارع، موقع باسم «شباب بلدنا»، لا تعرف هل هم شباب قريتى أم شباب كل البلاد؟، هو يحرض على النزول بدون تحديد موعد، ولكنه يذكرهم بأنبوبة البوتوجاز وبفرص العمل التى تنتظرهم، يطالبهم بالنزول حتى لا يتطاول أحد على سيدنا محمد بعد ذلك، ومن أجل عدم تغيير هوية البلد.
المنشور الملون الذى صممه مخرج محترف، يبشر النازلين بمستقبل باهر لأطفالهم الذين سيكونون قضاة وضباطا وإعلاميين، الفئات الثلاث التى تصدت للجماعة، لم يعد هناك من يحلم لطفله أن يكون طبيبا أو مهندسا، خيال قديم يليق بتنظيم غير قادر على الابتكار، غير قادر على العمل فى النور، صديقى سيد منزعج من التحريض لأن «البلد مش ناقصة»، شباب بلدنا يخاطبون الكبار بلغة عواجيز مكتب الإرشاد الفاشلين، تسخين الناس بهذه اللغة وبهذه الطريقة مقلق، لأنهم يختارون شرائح من المجتمع لا تشعر بالأمان ولم تتحقق مطالبه المتعلقة بالعدالة الاجتماعية، التنظيم عاد لآليات البنا فى الريف، رغم علمهم أن الفلاحين لن تخيل عليهم مثل هذه الحيل، أكثر ما أزعجنى فى كلام صديقى هو اعتبار الإعلام عدوا للناس، لأن ذلك يعنى أن التنظيم الذى يطالب أهل الريف بالنزول لكى يصبح أطفالهم إعلاميين فى المستقبل نجح فى تدمير صورة الإعلام.