من يتأمل حال المصريين الآن سيكتشف بسهولة أن الكتلة الغالبة من الشعب فى واد، والذين يمارسون لعبة الانتخابات فى واد آخر تمامًا، فإذا طالعت الصحف قرأت العناوين البراقة عن التحالفات والصراعات والتوقعات والقوائم، لكن إذا مشيت فى الشارع أو صعدت إلى باص أو مترو ستطرق مسامعك أحاديث أخرى تمامًا عن الغلاء والزحام والإرهاب، فكيف نفسر هذا الزهد الشعبى فى متابعة ما يحدث على مسرح الانتخابات؟
فى اعتقادى أننا بعد ثورتين عظيمتين لم نستطع أن ندفع الناس إلى الاهتمام بالعمل السياسى المنظم، وهذا يعود إلى أمرين، الأول: إن نظام مبارك دمر الحياة الحزبية والبرلمانية بالتزوير والإفساد، الأمر الذى جعل الناس تنصرف عن السياسة ومشكلاتها ومخاطرها، أما الأمر الثانى فيتمثل فى كوننا–أقولها بصراحة وبأسف–لم نتعلم بعد فنون التنظيم الحزبى والانخراط بين الجماهير، ما دفع الناس لأن ترى فى السياسيين حفنة من أصحاب الهوى والمصالح.
طوال التاريخ البرلمانى لم ينشغل المصريون بالانتخابات إلا مرات قليلة جدا لعل أهمها انتخابات عام 1924 التى أجريت بعد ثورة 1919 العظيمة، وبعد أن نال المصريون للمرة الأولى فى عام 1923 حق كتابة دستورهم، هذه الانتخابات سقط فيها رئيس الوزراء نفسه يحيى إبراهيم باشا، ونجح حزب الوفد برئاسة سعد زغلول باشا. آنذاك كان المصريون (عددهم نحو 12 مليون نسمة) يحلمون بالاستقلال التام عن الاحتلال الإنجليزى.
عندما أعاد السادات الحياة الحزبية فى 1976 أجريت انتخابات مهمة أقبل عليها الناس وهم مغمورون بأنوار فرحة الانتصار على إسرائيل فى 1973، لكن السادات لم يحتمل المعارضة التى اشتعلت ضده تحت قبة البرلمان بسبب سياساته المنحازة لصالح الأثرياء على حساب الفقراء وبسبب انصياعه أمام العدو الإسرائيلى فى مفاوضات كامب ديفيد، فأصدر قرارًا بحل هذا المجلس «المشاغب» فى عام 1979، وأجرى انتخابات أخرى مزورة تخلص فيها من معارضيه قبل أن يعتقلهم فى سبتمبر 1981.
انصراف الملايين عن متابعة المشهد الانتخابى الآن يؤكد أن الناس فقدت إيمانها بجدوى هذه الانتخابات، وأنها لم تشعر بتحسن ملموس فى حياتها اليومية رغم أننا قمنا بثورتين!
ما رأيك؟