المواجهة مع الإرهاب أو العدو لا تتم علنا وتتجاوز رد الفعل إلى فعل دائم وواضح، وربما كانت واقعة قتل المصريين فى ليبيا إحدى محطات المواجهة مع الإرهاب فى المنطقة. العدو هنا ليس فقط هؤلاء الإرهابيون الظاهرون هنا وهناك، ومن الصعب تصور أن يتوسع تنظيم إرهابى بهذا الشكل السريع وبكل هذه الإمكانات، من دون دعم مستمر مادى وتسليح، مع ملاحظة أن مواجهة الإرهاب بالنسبة للجيش والشرطة فى مصر داخليا أشبه بعملية جراحية لاستئصال ورم من المخ أو الجسم مع الحرص على باقى الأعضاء، وهناك عشرات النقاط الحساسة، أهمها البشر فى سيناء، حيث يحرص الجيش على مواجهة إرهابيين يتخفون داخل المدنيين فى البيوت والشوارع، من هنا تأتى الصعوبة، ولو كانت المواجهة مباشرة لانتهى الجيش منها فورا وبلا أى جهد. فلم يحدث أن واجه الإرهابيون الجيش والشرطة مباشرة، لكنهم يتحركون كالخفافيش، كما أنهم بلا أى حرص على مدنيين أو غيرهم، لأنهم يذبحون ويقتلون بدم بارد وبلا أفق أخلاقى أو سقف إنسانى.
ونفس الأمر بالنسبة للمصريين فى ليبيا، فالدولة تحذر من السفر إلى ليبيا، وهناك مواطنون ارتبطت أعمالهم ومصالحهم سنوات بالوجود فى ليبيا، وبالرغم من كل الانفلات الأمنى يصرون على البقاء، يدفعهم فقر هنا وحاجة هناك، ويعتبر الإرهابيون أن المدنيين المصريين فى ليبيا «يد مصر التى تؤلمها» يهددون بانتقام أو خطف وقتل، بل إن الليبيين أنفسهم يواجهون نفس المصائر، ومن هنا فإن مواجهة إرهاب داعش ليبيا يواجه الخوف على المصريين، ومن هنا كانت الدقة فى الحسابات. فالحرب هنا مزدوجة، حرب لمواجهة فقر يدفع المصريين للهجرة، وحرب ضد إرهاب يعطل التنمية فيزيد الفقر.
هى حرب استئصال ورم خبيث، مع الحرص على المخ والأعضاء، وهى حرب معلومات، كما أن مصر تدرك وتحرص على ألا تتورط فى حرب وحدها، بل هى تدعم الشعب الليبيى ومؤسساته، وتدفع دوليا لدعم مواجهة الإرهاب، من خلال كشف الدول والأجهزة التى تقف وراءه وتدعمه.
مشكلة المصريين فى ليبيا أعقد من أن تتناولها تحليلات ساذجة وسطحية تهون أو تهول من الأمر، وطرح أسئلة موجهة من عينة: لماذا يذهب المصريون إلى ليبيا ولماذا لا تحميهم الدولة؟ وهى أسئلة تتجاهل الحقائق الممتدة من عقود، وتحتاج إلى تخطيط لمواجهة الأزمة بكل أطرافها، من دون مزايدة على الدولة، أو تهوين من الخطر، وأثبتت التجارب أن الشعب يتفهم عندما تكون هناك مصارحة، والمصريون يدركون أنها حرب طويلة ومعقدة ويساندون جيشهم، ويثقون فيه.