بالأجساد الفارعة، والساعات الرولكس، وتقنيات التصوير الحديثة وباللغة الإنجليزية فى مذابح المصريين فى ليبيا، والأجانب الرهائن والعرب فى العراق وسوريا، يبدو «مرتزقة» ما يسمى بتنظيم «داعش» كأنه بالفعل ينفذ ما تناولته الدراسات والأبحاث الغربية، وبعض الكتابات العربية فى بدايات العام 2005 عما أطلقوا عليه «خصخصة الحروب» و«الحرب بالوكالة» فى دول العالم الثالث، خاصة منطقة الشرق الأوسط، ولا يصدق إنسان أن هذا التنظيم بقدراته وإمكاناته ووحشيته فى القتل والذبح يضم عناصر عربية أو إسلامية، بل هم مرتزقة حقيقيون تابعون لشركات عالمية معترف بها من أجهزة المخابرات الكبرى فى العالم، وتحديدًا المخابرات الأمريكية، وتتعاقد معها، وتستعين بها فى تنفيذ عمليات قذرة خارج حدودها دون تحمل أى مسؤوليات أخلاقية أو قانونية لأنها لا تعترف من الأصل بأى مواثيق أو أعراف دولية.
تقارير غربية وروسية كشفت خلال الغزو الأمريكى للعراق فى عام 2003 عن استعانة المخابرات الأمريكية بشركات المرتزقة فى حربها لإسقاط صدام حسين، وكان من أشهر هذه الشركات شركة «بلاك ووترز» الأمريكية.
وحتى لا تندهش، فإن الشركات الأمنية الجالبة للمرتزقة عددها 10 شركات تنتمى لبلدين فقط، هما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا! التحذيرات التى تلت حرب سقوط بغداد فى القبضة العسكرية الأمريكية، لم ينتبه لها أحد، فالمرتزقة أصبحوا هم السلاح الفعال فى الحروب التى تلت حرب العراق، وتجلت بعد ثورات «الربيع العربى»، واستخدمت المخابرات الأمريكية هؤلاء فى حروب الوكالة تحت مسميات مختلفة لا علاقة لها بدين معين، إنما لتوظيف سلاح المرتزقة لتحقيق عدة أهداف فى توقيت واحد. أحد الجنرالات الروس فى عام 2007 اتهم مباشرة أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية بإشعال نار الفتنة بين السنة والشيعة فى العراق، بواسطة قوات مرتزقة تشرف عليها تلك الأجهزة، وتكلفها بعمليات داخل العراق، لكن لا تستطيع السيطرة عليها، وعدد تلك القوات يزيد على 120 ألف فرد مقاتل مأجور ليسوا أمريكيين أو بريطانيين. شواهد كثيرة فى السنوات الأربع الماضية منذ يناير 2011 حتى الآن تؤكد «حروب الوكالة» بواسطة المرتزقة، وتحت مسميات عديدة، وضد دول بعينها، ومن بينها مصر بالطبع التى لم تستجب للمخطط الأمريكى فى المنطقة. وقبل ثورات «الربيع العربى» تناولت المقالات والتقارير فى الصحف الأمريكية هذه القضية، واعتبرتها فضيحة سياسية كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية، لكن هذه التقارير صمتت بشكل مفاجئ منذ أكثر من 5 سنوات.