لو كنت مكان الحكومة لاستثمرت هذه اللحظة الوطنية الرائعة التى التف فيها الشعب كله حول قيادته السياسية، وهى تتخذ القرار الحازم الحاسم بضرب معاقل تنظيم داعش الإرهابى فى ليبيا. لو كنت مكان الحكومة لأفرجت فورًا عن شباب الثورتين الذين فى السجون, ولم يثبت أنهم رفعوا السلاح ضد المصريين، ولعقدت صلحًا مع الشباب المحبط الغاضب الذى يرى فلول مبارك يعودون إلى المشهد بقوة، بينما أحمد دومة وأقرانه من الشباب الثائر فى السجن، حتى لو كان هؤلاء الشباب قد تصرفوا بحماقة أحيانا.
لو كنت مكان الحكومة لاتخذت قرارات صارمة تمنع فلول مبارك من الاشتغال بالسياسة عشر سنوات حتى يشعر الملايين بأنهم قضوا على النظام الفاسد بحق، لو كنت مكان الحكومة لاتخذت قرارات سياسية اقتصادية عاجلة تضبط ميزان العدل الاجتماعى المختل، فالذين ذبحهم تنظيم داعش الإرهابى هجروا وطنهم بسبب الفقر، وذهبوا إلى الموت بحثا عن نقطة نور فى حياة أكثر كرامة.
لو كنت مكان الحكومة لانتبهت إلى ما يقوله خبراء السياسة والثقافة والاجتماع منذ زمن، وأدركت أن القوة العسكرية لدحر الإرهاب ضرورة قصوى، لكنها ليست كافية على الإطلاق، فالمعركة فكرية بالأساس، والذين انضموا إلى داعش والإخوان والتيارت السلفية كلهم خرجوا من عباءة التفسير المتشدد للدين الإسلامى الحنيف، هذا التفسير موجود فى كتب قديمة شاعت وراجت بوصفها كتبًا مقدسة، ناسين أن لا مقدس سوى القرآن الكريم فقط، وإنما تفسيره يخضع للنقاش والخلاف، وأكبر دليل على ذلك أن الذين يروعون ويهددون ويذبحون الناس يفعلون ذلك وهم راضون عن أنفسهم تمامًا، ويعتقدون أن الدماء التى يسفكونها تفتح لهم طريق الجنة!
لماذا؟
لأنهم يستندون إلى أفكار مجنونة قرأوها فى كتب ابن تيمية وسيد قطب وأشباههما، ومن أسف.. بعض هذه الكتب يتم تدريسها فى كليات الأزهر ومعاهده. لو كنت مكان الحكومة لاتخذت قرارًا ثوريًا جريئا بتطهير المناهج الأزهرية من كل الخزعبلات التى تزعم أنها تنتمى للدين. ليت الحكومة تستثمر هذه اللحظة الرائعة.. لأنها لا تتكرر كثيرًا.