فى قاموس اللغة، تعرف كلمة خريطة بـ«الرسم الجغرافى المفسر للحدود»، ولكل دولة خريطة تفصل حدودها عن دول الجوار، والخريطة من أساسيات الأمن القومى للبلاد، تحفظ فى أماكن رسمية، وتنشر فى السجلات الرسمية، حفاظًا على كل شبر.. وبواسطة الخرائط الأصلية تعود الحقوق لأصحابها، كما حدث فى أزمة طابا خلال المفاوضات المصرية الإسرائيلية، عادت بفضل خريطة للدولة العثمانية.
الأصل فى الخرائط الثبات، والاستثنائى أن تتغير، والشرق الأوسط حاليًا فى ظرف استثنائى، خريطته لن تظل ثابتة، بل قابلة للتغيير فى أسرع وقت. دول المنطقة لم تعد تلك التى ترسم بينها الحدود، لكن انتقلت إلى صورة أخرى من المحاور الأساسية التى تعكس علاقات المصالح والنزاعات فى وقت واحد.. مصر والسعودية والإمارات والكويت يشكلون المحور المصرى الخليجى «السنى»، وإيران وكتلة الحوثيين فى اليمن يشكلون المحور الإيرانى الشيعى، وقطر وتركيا تشكلان محورًا ثالثًا، بينما خط تنظيم «داعش» الإرهابى الممتد من العراق لسوريا يشكل خطًا رابعًا خطيرًا.
لاحظ أن الخط التركى القطرى يلعب إعلاميًا ضد مصر من خلال قناة الجزيرة، ويلعب واقعيًا ضدها بتدخلات نوعية فى ليبيا، ودعم «المؤتمر الوطنى» و«فجر ليبيا»، وتحديدًا «فجر ليبيا» لأنه يمثل تهديدًا عسكريًا متواصلًا لمصر، باعتبار أن الحدود الجغرافية بين مصر وليبيا تمتد لأكثر من 1000 كيلومتر.
لاحظ أيضًا أن الخط الإيرانى الحوثى يهدد مصر من خلال التأثير على مضيق باب المندب، وهو شريان أساسى لضمان العمل بقناة السويس، وتعطيله أو تهديد أمنه هو بالأساس تهديد للأمن القومى المصرى، وهنا لا يمكن تجاهل المحور الثالث، محور «داعش» الذى يهدد مصر بنافذتين مختلفتين، الأولى مباشرة بعمليات عسكرية ضد الجيش والشرطة فى سيناء، بمساعدة «أنصار بيت المقدس»، والثانية بشكل غير مباشر عبر تهديد المصريين العالقين فى ليبيا عبر جماعة «أنصار الشريعة» التى أعلنت فى وقت سابق مبايعة «داعش».
تكتشف من التحليل الأولى أن كل المحاور الجديدة بالمنطقة تتجه نحو تقسيم جديد للأماكن التى تنطلق منها، وتهديد واضح لمصر، ينبئ بعدم الاستقرار فى المستقبل، خاصة أن تحالفًا مثل التحالف القطرى مدعوم بشكل غير مباشر من البيت الأبيض، وتحالفًا مثل طهران يثير لديك الشكوك، خاصة إذا طرحت سؤالًا واحدًا فقط عن الصمت المفاجئ لـ«الحرب الباردة» بين واشنطن وطهران عن أزمة المفاعل النووى، ستجد نفسك أمام حقائق عن اتفاقات غير معلنة، بتغيرات نوعية جديدة فى الشرق الأوسط، والحدود البينية بين دولها.
الثابت أن ما يشهده الشرق الأوسط حاليًا ولـ10 سنوات مقبلة، سينبئ بلا شك عن جغرافيا جديدة تترسم حدود دولها من حولنا، خاصة أن المحاور الأصلية قابلة أيضا للتغير، والذى ظهر من تبديل أولويات السياسة الخارجية للسعودية بعد تولى الملك سلمان الحكم.
مصر هنا على المحك، وأمنها الأساسى ليس داخل حدودها الجغرافية، لكن أمنها يبدأ من مضيق باب المندب شرقًا، والحدود الليبية غربًا، والتوترات الأفريقية بجنوب السودان وإثيوبيا جنوبًا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة