لا تخلو الحياة من غم أو هم أو حزن.. تلك حقيقة واقعية لا يمكن إنكارها.. تلك هى طبيعة الحياة خارج الجنة وهكذا خلق البشر "لقد خلقنا الإنسان فى كبد"، قاعدة قرآنية واضحة ومحكمة ودلائلها الواقعية مشهودة ومدركة. نعم الإنسان فى هذه الدنيا يعيش فى كَبَد ومشقة، هذه حقيقة الدنيا.
يستوى فى أصل وجود الكَبَد والمشقة جميع الخلق غنيهم وفقيرهم وقويهم وضعيفهم وإن كانوا يتفاوتون بعد بذلك فى درجات ملاقاة، هذا الكبد وتلك المشقة تختلف أشكاله وأسبابه ولكنه يظل فى النهاية.. كَبَد، لكن هل هناك وسيلة لتجنب هذا الكبد أو تقليل آثار غمه وهمه؟
الجواب: نعم
ولقد دلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض وسائل تقليل هذا الهم والغم والحزن من ضمنها دعاء من أجمل وأجمع أدعيته، وفى الحديث الصحيح يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أصابَ أحدًا قطُّ همٌّ ولا حَزنٌ فقال اللَّهمَّ إنِّى عَبدُك وابنُ عبدِك وابنُ أمتِك، ناصِيَتى بيدِكَ، ماضٍ فى حكمُكَ، عدْلٌ فى قضاؤكَ، أسألُكَ بكلِّ اسمٍ هوَ لكَ سمَّيتَ بهِ نفسَك، أو أنزلْتَه فى كتابِكَ، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو استأثرتَ بهِ فى علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القُرآنَ ربيعَ قلبى، ونورَ صَدرى، وجَلاءَ حَزَنى، وذَهابَ هَمِّى.. إلَّا أذهبَ اللهُ عزَّ وجلَّ همَّهُ، وأبدلَه مكانَ حَزنِه فرحًا". تأمل هذا الحل الذى لخصه النبى صلى الله عليه وسلم فى عدة كلمات لعل أهمها هو "أن تجعلَ القُرآنَ ربيعَ قلبى"، حين تسمع كلمة "ربيع" ما الذى يأتى إلى صدرك؟
ما الشعور الذى يسارع إلى جنبات روحك؟ ألا تتسارع إلى نفسك مشاهد جميلة؟ ألا تتبدى أمام عينيك صور بديعة لأغصان مزهرة وثمار يانعة وورود ملونة وظلال وارفة يتخللها ضياء الشمس المشرقة التى تتوسط تلك السماء الصافية لا يكدر صفوها شىء، ألا تملأ ذهنك ذكريات النقاء والجو الصحو والنسيم العليل الذى تداعب ذكراه ثنايا روحك لتبعث فى أرجائها شعور يلخص تلك الحالة، شعور البهجة، تلك البهجة التى يجدها من أجاب الله دعاءه وجعل القرآن ربيع قلبه فأزال غمه وهمه، فالربيع جمال ورونق وحسن وبهاء، الربيع جنة فى الدنيا وكذلك القرآن إذا ما خالطت بشاشته القلب فصار ربيعا له، والربيع نقاء وصفاء وطهر، والقلب الذى ربيعه القرآن هو قلب صافٍ أشبه ما يكون بقلوب أهل الجنة منزوعة الحقد والغل والحسد. القلب الذى ربيعه القرآن قلب وضىء متوضىء بالنقاء والتسامح متطهر بالعفو ومحبة الخير لإخوانه كما يحبه لنفسه وهو قلب نظيف كنظافة جدول ماء عذب تنساب مياهه فى هدوء لطيف لتسقى تلك الزروع الممتدة عن اليمين والشمائل فى سقاء سرمدى لا يكاد ينفد، سقاء المعانى القرآنية والقيم الرسالية وذاك أفضل الناس كما شهد رسولنا مزكيا نقى القلب الذى لا إثم فيه ولا بغى ولا حسد، ومن خصائص الربيع الاعتدال والتوسط فلا هو بالحار القائظ ولا هو بالبارد القارص ولكنه قصد بين الأمرين، فأن يكون القرآن ربيع القلب فإن ذلك يلقى فى الروع معانى الاعتدال والقصد أيضا لكنه اعتدال فى الفهم وقصد فى السير وتوسط فى التصور بغير إفراط ولا تفريط وبدون غلو أو تسيب وتمييع، ويشتهر الربيع بالإثمار وتفتح الورود ومورقات الأزهار.
وقلب ربيعه القرآن هو قلب مثمر مزدهر مبارك كلما عرض عليه القرآن تفتحت فيه أزهار الفهم وأورقت فيه أشجار المعرفة والعلم بالله وأينعت فيه ثمرات العمل والمعاملة والحياة بالقرآن، إنه قلب ممتلئ بالخير حتى إنه يفيض منه على غيره ويتكرم بثمراته ليطعم منها الخلق وتمتلئ بها آنية قلوبهم، فقط إن كان القرآن فعلا ربيع قلبه فلما عظم المطلوب عظمت معه صيغة الطلب وكان السؤال بكل أسمائه الحسنى ما علمنا منها وما لم نعلم كل أسمائه.. ولماذا كل هذا، ليكون القرآن ربيع القلب ونور الصدر وجلاء الحزن وذهاب الهم والغم، لذا استحق ذلك المطلب أن يقدم له بتلك الصياغة المبهرة والتضرع الكامل لينال هذا المطلب العظيم ويكون القرآن هو الربيع، ربيع القلب.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد عمر
(وَكَذَ?لِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا )
جزاكم الله خيرا
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد رجب
لم يبق إلا أن تهتف بنا: وأقم الصلاة!