د. بديع فتح الله عليوة يكتب: حاربوا الإرهاب بالفكر أولاً

السبت، 21 فبراير 2015 12:05 م
د. بديع فتح الله عليوة يكتب: حاربوا الإرهاب بالفكر أولاً شعار تنظيم داعش الإرهابى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أَمَا خطر فى أذهاننا يومًا ذاك السؤال (من أين يأتى هؤلاء الإرهابيون بأفكارهم وعقائدهم التى تسول لهم قتل النفوس وترويع الآمنين بدم بارد وقلوب مطمئنة؟)

لعل الإجابة عن هذا السؤال تكون فى تلك السطور.

إنَّ الإرهاب الضارب بجذوره فى كثير من بلادنا العربية الآن نراه يأكل الأخضر واليابس، ليس فقط بقوته العسكرية- الممولة من أعدائنا- بل بقوته الفكرية والعقائدية التى يحملها أصحاب هذا الفكر فى عقولهم وقلوبهم، التى تدفعهم لارتكاب كل هذه الجرائم وهم مرتاحو الضمير ومطمئنو النفوس والقلوب، وكأنهم بذلك الجرم وتلك الوحشية- فى اعتقادهم- ينالون رضا الله ورحمته ويرفعون درجاتهم فى الجنان وذلك حين يقتلون الأبرياء ويروعون الآمنين- من وجهة نظرنا-، والكافرين والمرتدين- من وجهة نظرهم-.

إن الإرهاب فكر ولا يمكن أن يواجه الفكر بغير الفكر، فهب أننا اليوم- بالآلة العسكرية- تخلصنا من جميع الإرهابيين فى العالم ولم نبق لم أثرًا فهل ستنتهى فكرة الإرهاب والتطرف؟ وهل نكون بذلك قد قضينا على الإرهاب واقتلعناه من جذوره؟

الإجابة بالطبع: لا، ذلك لأن جذور هذه الأفكار موجودة فى تراثنا الإسلامى بقصد أو بغير قصد، وسيأتى من يقرأها ويقتنع بها ويتأثر، ثم يحمل السلاح مرات ومرات، وللقضاء على تلك الظاهرة البغيضة الكريهة من أساسها واقتلاعها من جذورها يجب إعادة قراءة كتب التراث التى تحمل هذا الفكر وتنقيحها من تلك الأفكار وتهذيبها، كما فعل الأستاذ محمود شاكر فى تهذيب السيرة، ثم الرد على كل ما فيها من شبهات مغلوطة وأفكار مكذوبة ومضللة، كما يجب أن يعاد توجيه الأحاديث التى يتمسك بها هؤلاء المتطرفون من مثل الحديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله. ..) والحديث (من بدل دينه فاقتلوه) وبيان الوجه الصحيح لمراد نبى الرحمة- صلى الله عليه وسلم- إن صحت نسبة الحديث إلى النبى أصلًا- فليس أحد بعد النبى معصومًا من الخطأ ولكل انسان فكره وقناعاته.

فقد اختلف الصحابة من بعد النبى صلى الله عليه وسلم فى أمور كثيرة وكان لكل منهم وجهة نظره وفكره بداية بالسقيفة ومرورًا بما حدث فى ما سُمِّى بحروب الردة وختامًا بما حدث من فتنة بين على ومعاوية- رضى الله عنهما-.

إن الطريقة المثلى لمحاربة الإرهاب تتلخص فى أن تستنفر المؤسسات الدينية الكبرى فى كل بلاد المسلمين وتجمع علماءها الثقات، ثم يعيدون قراءة كتب التراث- التى تحمل هذا الفكر– بتجرد تام من أى هوى أو ميل، ثم استخراج ما بها من سموم وشبهات وتنقيح وتهذيب الكتب منها، ثم العمل على مناقشة هذه الأفكار وبيان فسادها أو فساد فهمها فى المحافل والندوات والخطب ووسائل الإعلام، حتى يعلم الناس ما فيها من أغلاط وأخطاء، ثم بيان سماحة الإسلام ليس من خلال النصوص الموروثة وإنما بالأفعال والممارسات الواقعية على الأرض.

كما أن من أهم طرق محاربة الإرهاب هو تربية النشء على القيم الإنسانية بشموليتها لكل البشر والتى هى من صميم الدين، فالقيم الإنسانية هى أساس من أسس الرحمة التى جاء بها مَن بُعث رحمة للعالمين فلم يكره أحدًا على اعتناقه فـ(لا إكراه فى الدين) ولم يعادِ من هم على غير معتقده بل قال- ص- (من عادى ذميَّا فأنا حجيجه– أو قال خصيمه- يوم القيامة)، فلا عداوة ولا بغضاء فى ديننا بل حب وتسامح وتراحم ومودة وبر وقسط حتى لغير المسلمين الذين لم يعادوننا أو يخرجونا من ديارنا (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).

إن الإسلام أعظم وأجلُّ ممن ينتسبون إليه زورًا، وأشرف ممن تلوثت أيديهم بدماء الأبرياء باسمه، إن الإسلام براء من هؤلاء جميعًا، فوالله ما بُعث محمدٌ قتالًا ولا لعانًا ولا شتامًا ولا سفاكًا للدماء، وإنما بعث رحمة للعالمين من اتبعه ومن لم يتبعه، وكلنا يعلم من سنَّة نبينا رحمته ورأفته وحنوه وعطفه (بالمؤمنين رءوف رحيم).

ليس فى الإسلام رجال دين ولا كهنوت، وإنما لدينا علماء وفقهاء، ومن العجب العجاب أن نجد مِن بين المسلمين مَن يدعى لنفسه الفهم عن الله ورسوله ويحتكر النص لنفسه وكأن القرآن نزل عليه أو أن النبى أسرَّ له بالسنة وحده وحينها ينصب نفسه حاميًا للدين وحارسًا على العقيدة وهذا هو الخطأ الفادح والمصيبة الكبرى والتى تؤدى به إلى الوصاية على الدين والناس ثم يجعل من فهمه المغلوط هو الفهم الأوحد الصحيح وخلاف ذلك جهل وكفر محض، ثم يبيح لنفسه دم كل مخالف بحجة تكفيره أو ردته.

ليس لأحد كائنًا من كان أن يدعى امتلاك النص واحتكار الفهم– فى الأمور المختلف فيها وليس الأمور قطيعة الثبوت والدلالة-، بل النص متروك للعقول تتلقفه وتفهمه باختلاف مشاربها وحسب مقتضيات عصرها ولذا فالتفاسير للنصوص تختلف باختلاف العصور ذلك حسب العقول المتلقية والمستجدات العلمية الحديثة، وإلا لما كان الإسلام صالح لكل زمان ومكان، ولو كان الفهم واحدًا لا يتغير لَصَلُحَ الإسلام لعصر واحد فقط، والإسلام أعظم من ذلك.

إن الدين علاقة قلبية بين العبد وربه ولا يعلم صدقها وحقيقتها إلا الله، فالقرآن الكريم ليس حكرًا لأحد ولا السنة ملكًا خاصًا لفريق بعينه، وليس لأحد أن يتدخل فى تلك العلاقة إلا بالتوجيه والإرشاد ممن نثق بعلمهم وخلقهم وصلاحهم.











مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة