حروب الجيل الرابع والإعلام وتفتيت المجتمعات هو عنوان الكتاب الجديد للكاتب الصديق أسامة هيكل الذى كان أول من أصدر قرارا بإغلاق الجزيرة، ومصادرة مكاتبها فى مصر وهو وزير للإعلام وشن الصحفيون والنشطاء - الذين اتضحت فيما بعد نواياهم وعمالة جزء كبير منهم - هجوما ضاريا عليه واتهموه بأنه ضد الحرية والإعلام، لقد ثبت أن موقف الرجل من الجزيرة كان الأصوب والأصح، وأنه كان يرى ما لم نكن نراه باعتباره فى مطبخ صناعة الحدث، من هنا تأتى أهمية هذا الكتاب الذى أتمنى من كل مشتغل بالإعلام أن يقرأه، بل من كل شاب لا يعى حجم المؤامرة ومخطط هدم الدولة عبر حرب جديدة فى وسائلها وأساليبها وتقنياتها. يقول الكاتب إن أول من استخدم مصطلح حروب الجيل الرابع ماكس مانيورانج الأستاذ بمعهد الدراسات الاسترتيجية بكلية الحرب الأمريكية، ووصفها بأنها حرب بالإكراه لإجبار العدو على الاستسلام والخضوع دون الحاجة لاستخدام قوات نظامية أو أسلحة عسكرية، ويشرح قائلا: هى حرب تستهدف إفشال الدولة المستهدفة ببطء وثبات حتى نتمكن فى النهاية من إحكام السيطرة عليها وفرض إرادتنا عليها وأهم سلاحين فى هذه الحروب سلاح العقل والمال الذى يخترق النخب والإعلام، وكان أول من طبق هذه النظرية جاريد كوهين أحد رؤساء موقع جوجل، الذى لعب دورا فى إثارة القلاقل داخل إيران وكشفته المخابرات الإيرانية عن طريق مكتبها فى بيروت، لكن تجربته التقطها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى فيما بعد وطبقها فى مصر فيما عرف بقضية التمويل الأجنبى أو قضية فايزة أبوالنجا.
وفى موضع آخر يكشف الكاتب أن قناة الجزيرة كانت رأس الحربة فى الحرب، وجاء انطلاقها بالاتفاق والتخطيط مع جهات أمريكية وإسرائيلية فهى مملوكة للشيخ حمد بن خليفة وتخضع لإشراف وزير خارجية قطر مباشرة، وكان أول مؤسس ورئيس لها وضاح خنفر الفلسطينى الجنسية الذى فضحته وثائق ويكليكس بعلاقاته مع الموساد الإسرئيلى، وبعد نشر مراسلاته مع قيادات الموساد لم تجد الدوحة بدا من فصله فى 2012، وفى فصل ملىء بالمعلومات المثيرة يفضح الكاتب قضايا التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى والنشطاء، ويقول إن التمويل بدأ منذ بداية الألفية الجديدة - فى إطار مخطط الفوضى ونشر ثقافة هدم الدولة - وأن أجهزة الدولة رصدت ملايين الدولارات التى دخلت لمنظمات وأسماء كانت واشنطن كعبتهم الدائمة، ورفعت هذه الأجهزة تقارير مفصلة لحسنى مبارك، لكنه لم يكن يريد الدخول فى مواجهة من أى نوع مع الولايات المتحدة الأمريكية حتى لا تتهمه بكبت الحريات وانتهاك حقوق الإنسان حتى لو كان ذلك على حساب سيادة الدولة وكرامتها، وأهم المنظمات التى عملت فى مصر بدون ترخيص أو مراقبة هو المعهد الجمهورى الذى كان يستقطب الشباب تحت دعاوى تعليمهم برامج الديمقراطية، والمعروف أن نفس المعهد كان له فروع فى صربيا والدوحة وكثير من الأسماء التى لمعت فى الإعلام إبان ثورة يناير كانت تسافر وتتلقى تدريبات وأشهر هذه المعسكرات ما عرف ببرنامج اللاعنف وصناعة الثورات والتدريب على استخدام الإعلام والإنترنت والسوشيال ميديا، وينضم لهذه المؤسسات الأمريكية المعهد الديمقراطى الأمريكى الذى بلغ حجم إنفاقه فى مصر حسب مصادر أمريكية نحو ثمانية ملايين دولار، وحسب مصادر فى الكونجرس أرادت محاكمة أوباما على هذا الإنفاق فإن واشنطن خصصت ثمانية مليارات دولار من أجل دعم المنظمات ومنها جماعة الإخوان و6 إبريل، ورد أوباما بأن هذه الأموال استعانت بها الإدارة الأمريكية لتنفيذ مشروعها الإمبراطورى فى العالم عن طريق غطاء مساندة وإنشاء مؤسسات الديقراطية والدفاع عن سيادة القانون وتشجيع حرية التعبير والاعتقاد واحترام حقوق الأقليات والنساء، وهى الأهداف المعلنة لنشر الفوضى فى المنطقة، وفى الختام يقول هيكل الظن بأن مصر أجهضت المشروع الأمريكى لتقسيم المنطقة ظن خاطئ، مصر ربما عطلت المشروع لكن الهدف الأمريكى لم يتحقق بعد، وهذا يعنى أن هناك خططا بديلة والخطر لايزال قائما، والعمل على أن تهزم مصر نفسها بنفسها، لايزال قيد البرامج الحديثة وعلينا أن ندرك أننا فى حرب حقيقية ،حرب من حروب الجيل الرابع.