توقفت طويلاً أمام هذا المشهد المفعم بالوطنية الذى تناقلته وسائل الإعلام، متضمنًا الانتشار الواسع النطاق لقوات من الجيش إلى جانب قوات الشرطة فى الميادين والشوارع الكبرى فى جميع أنحاء مصر، فهذه المسألة لم تكن مجرد إجراء عادى، إنما تحمل فى طياتها الكثير من المعانى الفياضة، إلى جانب كونها رسالة جاءت فى توقيتها، حيث تنطوى على دلالات عديدة، حينما نشاهد رجال القوات المسلحة البواسل وهم يسيرون جنبًا إلى جنب رجال الشرطة الساهرين على أمن الوطن والمواطن، من أجل حماية الممتلكات العامة والخاصة على حد سواء.
إننا بالفعل أمام نقطة تحول كبرى يشهدها المجتمع، خاصة وهو تحول الدولة فى معطيات، وفى طبيعة تعاملها مع ما يجرى فى مصر من أحداث سريعة ومتلاحقة، فكلنا نعلم أننا نخوض الآن حربًا بمعنى الكلمة مع الإرهاب القادم إلينا من خارج الحدود، وهى مسألة تكاد تكون محسومة، حيث وضعت القيادة السياسية هذا الأمر برمته فى يد قواتنا المسلحة، وهى قادرة بالفعل على دحر هذا الإرهاب الأسود فى أى مكان، مهما بعدت المسافة بيننا وبينه، وخير دليل على ذلك ما قام به نسور الجو من أبناء قواتنا المسلحة من عمل بطولى، ثأروا به- ولو بشكل مؤقت- لأرواح الأبرياء الذين ذبحهم تنظيم داعش الإرهابى داخل الأراضى الليبية.
إن ما يجرى الآن فى الشارع المصرى من عمليات تخريب وانفجارات تستهدف فى المقام الأول ترويع الآمنين، يؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أننا فى هذه الحرب القذرة نواجه عدوًا ليس فى خارج الحدود فحسب، بل عدونا الأخطر يعيش بيننا يأكل معنا، ويشرب معنا، ويسير على نفس الأرض التى نسير عليها.. وهنا مكمن الخطر، فالعدو الخارجى نعرفه، ونحدد مكانه، ونعرف كيف نصل إليه، والتوقيت الملائم للتحرك نحوه للفتك به، لكن عدونا الداخلى فى تلك الحرب يمثل عبئًا ثقيلاً على الدولة لأنه أشد خطرًا على المجتمع، وعلى تماسكه.
وهذا العدو الداخلى، وأفعاله المشينة التى ننام ونصحو عليها كل يوم، كان سببًا رئيسيًا ودافعًا للدولة لأن تغير من سياسة تعاملها مع العناصر الإرهابية فى الداخل، فكان لابد من وجود الجيش إلى جانب الشرطة فى تأمين الشارع المصرى، خاصة نحن على أبواب مرحلة جديدة من العمل الدولى.. مرحلة تتطلب تحقيق الاستقرار، وتوفير مناخ آمن لجذب أكبر عدد من المستثمرين، ليحقق المؤتمر الاقتصادى المزمع عقده الشهر المقبل فى شرم الشيخ الأهداف المرجوة منه.. نعم إن الجماعات الإرهابية، ومن يساندونها يفكرون ويخططون لإفشال المؤتمر الاقتصادى، و«الشوشرة» على سمعة مصر أمام العالم، وتخويف أصحاب رؤوس الأموال من المجازفة باستثمار أموالهم فى مشروعات داخل مصر، وسط أجواء ملبدة بالإرهاب والعنف، ومصحوبة بجميع أشكال التطرف.
لذا تأتى أهمية هذا الوجود لرجال الجيش جنبًا إلى جنب الشرطة فى الشارع فى هذا التوقيت بالذات، فقد انعكست أهمية هذا الإجراء بوضوح فى إظهار «العين الحمراء» للإرهابيين، والمتطرفين، وأصحاب الأفكار الهدامة التى تستهدف زعزعة استقرار الوطن، وهو أمر منطقى أن يختفى الجبناء، وتهرب تلك الفئران، وتجرى إلى داخل الجحور لتختبئ وتحتمى بها، لأنها تعى جيدًا أنها لم ولن تستطيع مواجهة أبطالنا من أبناء القوات المسلحة، وأبناء الشرطة الشرفاء الذين لا هم لهم سوى تحقيق الأمن والأمان للمواطن بعد سنوات مضت عشنا فيها أيامًا سوداء سادها الانفلات الأمنى، وطغيان البلطجية، وتوحشهم فى ظيل غياب تام للقانون، وفى ظل اختفاء «هيبة الدولة» فى أعقاب ثورة 25 يناير إلى أن قامت ثورة 30 يونيو الشعبية لتعيد للوطن كرامته، وتعيد تصويب الأخطاء، وتشكل ملامح دول قوية يسودها الأمن والاستقرار، دولة تحترم القانون، وتعلى من شأن الحريات العامة.
والحق يقال فإن وجود الجيش هذه الأيام لتحقيق الأمن والاستقرار ليس جديدًا علينا، فقد شاهدنا ذلك من قبل، ولمسنا بأنفسنا كيف كان لقواتنا المسلحة دور فاعل فى حمايتنا حينما خرجنا بالملايين فى الشوارع والميادين فى ثورة 30 يونيو، مطالبين بإزاحة حكم تلك الجماعة الإرهابية المستبدة، فقد كان الجيش والشرطة هما الدرع الواقى الذى حمى ظهور الملايين من الشعب الثائر فى جميع أنحاء مصر، فلو لم يكن هذا الحضور القوى لرجال القوات المسلحة والشرطة لماتت ثورة 30 يونيو قبل أن تبدأ، ولأصبحنا جميعًا فى خبر كان.
إننا نعيش الآن حالة من التوحد بين جناحى الأمن والاستقرار على أرض المحروسة، وهما الجيش والشرطة اللذان يعزفان معًا سيمفونية رائعة فى العمل المخلص للوطن وللمواطن، وهما بذلك التناغم والانسجام يكتبان تاريخًا جديدًا لمصر التى ستنتصر إن شاء الله على كل التحديات التى تواجهها الآن، وعلى هذا الإرهاب الأسود الذى يحيط بنا من جميع الاتجاهات.
ورغم كل هذا السواد، وكل تلك الصورة الضبابية التى يحاول أصحاب القلوب السوداء أن يرسموها لنا فى الداخل والخارج، فإننى على يقين بأن النصر قريب لأن الله سبحانه وتعالى هو الحق، ونحن نعى جيدًا أننا على حق فى قضيتنا المصيرية، وهى القضاء على الإرهاب، وإفشاء السلام بيننا، وأنا على يقين أيضًا بأن الله معنا، ومن كان الله معه فلا يحزن، وصدق المولى عز وجل، حيث قال فى كتابه الكريم «ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين»، صدق الله العظيم.