لماذا تهتم مصر بما يجرى فى ليبيا؟ السؤال لماذا لا تهتم مصر بما يجرى فى ليبيا وهو يؤثر فيها مباشرة. عندما تكون النار مشتعلة فى منزل جارك، فمن الطبيعى أن تسعى لإطفائها، فضلا عن أن تأخذ حذرك من أن تمتد إليك، وهناك إدراك مصرى لرفض التورط فى مستنقع معقد من الصراعات والتداخلات الدولية والإقليمية. مصر تدرك تعقد المشهد وتدفع لتوحيد سلطة تكون قادرة على فرض السيطرة الوطنية، وتدعو المجتمع الدولى لمساندة وحدة ليبيا وسلطتها، وتطالب بأن ترفع الدول الأخرى أيديها عن ليبيا وتترك تقرير المصير للشعب الليبيى، الذى وجد نفسه، وقد كان من بينه من يطالب بالحرية من نظام استبدادى، أمام عشرات المستبدين المجرمين يقتسمون ثرواته وأرضه بقوة السلاح.
ما جرى فى ليبيا بدأ ضمن ربيع عربى لكنه كان يتجه بسرعة إلى مساحات الغموض والصراعات، ليبيا أصبحت مقصدا لآلاف المقاتلين من أنحاء العالم، وبالتالى فإن تأثيرها على مصر مباشرة، فضلا عن أن الميليشيات أقصت الشعب الليبى، واحتلت المشهد. أمريكا التى قادت التدخل لإسقاط القذافى، ترفض التدخل اليوم لمواجهة الإرهابيين وتدعو لحوار تشارك فيه أطراف الشعب الليبى، ويتم استبعاد الميليشيات المستورد، ولعل هذه الرؤية هى التى تواجه ممانعة من أمريكا ومن دول مثل قطر وتركيا، التى لا مصلحة مباشرة لها فى الصراع، لكنها تقوم بحرب «وكالة» عن أطراف دولية مختلفة هى التى ساهمت فى تعقيد المشهد الليبى وتدفع لتقسيمه.
مصر طرف ليس فقط من أجل المصريين هناك، وإنما تقسيمها بين ميليشيات خارجية، من حثالة الإرهابيين فى العالم، لكن مصر من حقها أن تواجه أى تهديدات لأمنها القومى، وألا تترك الأمور تتطور لتصل النار لأطراف ملابسنا، وعندما تدخلت مصر لمواجهة الإرهابيين فى ليبيا لم يكن التدخل مجرد رد فعل للانتقام، لكنه كان خطوة مهمة، سبقتها خطوات، مصر ليس لديها مطامع فى ليبيا وفى عالم السياسة ربما يكون الكلام المعلن مثاليا لكن الواقع مختلف. فالسياسة صراعات ومناورات وتفاوض، والتدخل العسكرى يجب أن يكون محسوبا بدقة.
ويفترض لمن يتناولون هذه القضية أن يتعاملوا مع الأمر من منظور واسع، وليس فقط من باب التأييد أو الرفض، لكن من واجهة المصلحة والمباشرة ربما يكون التحرك المصرى الظاهر قد جرى بعد إقدام داعش على خطوة استعراضية، لكن الرسالة كانت واضحة أن مصر لن تصمت على أى اختراق لأمنها القومى، أما التحرك الأهم، فهو جمع الدعم الجدولى والإقليمى لمساندة الشعب الليبى فى تقرير مصيره، وإبعاد المرتزقة والميليشيات المستوردة.