يقال إن أهم وظائف استطلاعات الرأى العام هى الكشف عن حقيقة مواقف الناس بموضوعية وشفافية، لكن أثبتت بعض الدراسات أن كثيرا من الاستطلاعات فى أمريكا وأوروبا تهدف إلى تزييف الرأى العام والتلاعب بإرادة الناخبين، وللأسف انتقلت إلينا فى مصر عدوى الاستطلاعات المزيفة وانتشرت بشكل فوضوى نظرا لعدم وجود جهات تدقيق وتنظيم ذاتى، وعدم وجود مواثيق شرف مهنية أو جمعيات تنظم إجراء الاستطلاعات، علاوة على قلة خبرة الباحثين والإعلام والناس بضوابط وأخلاقيات إجراء استطلاعات الرأى العام، وانتشار استطلاعات الأون لاين فى عدد كبير من المواقع الإخبارية التى تفتقر إلى أى القواعد العلمية المتعارف عليها فى سحب عينات ممثلة وصياغة أسئلة موضوعية.
وسأضرب مثلا هنا باستطلاعين، الأول أجرى حول التفجيرات التى شهدتها مصر فى الأشهر الأخيرة، وأجراه مركز لاستطلاعات الرأى العام يدعى الدقة والموضوعية، ويجرى استطلاعات منتظمة، وجاءت النتائج غريبة، حيث قال %33 من المشاركين إن التفجيرات بسبب التطرف الدينى، مقابل %35 قالوا إن هناك أسبابا سياسية، و%6 قالوا إن هناك أسبابا أخرى، بينما %26 لا يستطيعون تحديد السبب! وهذه النتائج بكل المقاييس العلمية والمنطقية غريبة، ومضللة لأنه من الصعب التمييز بين الأسباب السياسية والتطرف الدينى من النواحى العملية، ومن وجهة نظر الإخوان والإرهابيين، ما يعنى أن بدائل الإجابة التى وضعها الاستطلاع مضللة، أضف إلى ذلك أن ارتفاع نسبة غير القادرين على تحديد السبب!! وهو من وجهة نظرى تهرب واضح من الإجابة لسبب بسيط، وهو أن المركز المعروف يجرى استطلاعاته بالهاتف، وهو أداة تثير شكوكا ومخاوف أغلبية المصريين وتدفعهم لتقديم إجابات مضللة أو التهرب من الإجابة، ولعل ما يؤكد خوف المصريين من الحديث فى السياسة مع غرباء عبر الهاتف هو أن نسبة الذين رفضوا الاشتراك فى الاستطلاع لأسباب مختلفة كانت %47، وهى نسبة مرتفعة للغاية وتتكرر فى أغلب استطلاعات المركز المذكور.
أما الاستطلاع الثانى فقد نشر على موقع صحيفة قومية يومية عن مشاركة مصر فى مؤتمر واشنطن عن الإرهاب، وقد صيغ سؤال الاستطلاع بأسلوب مغرض يوحى بالإجابة، حيث نص على: بعد مواقف أمريكا الأخيرة من الإخوان، هل توافق على مشاركة مصر فى المؤتمر؟ أما بدائل الإجابة فكانت، نعم، لا، تمثيل منخفض، وهى بدائل إجابة محدودة وتزييف وعى الجمهور، لأنه لابد من وضع بديل لا رأى لى، أو لا أعرف، المهم أن نسبة الرافضين - حتى الأربعاء الماضى - وصلت إلى %54.9، وأعتقد أن الإجابة متوقعة تماما لأن السؤال سبقته عبارة موحية بشأن مواقف أمريكا من الإخوان، وبالرغم من عدم الإشارة إلى تفاصيل هذه العلاقة وطبيعتها لكن العبارة تعكس ما بثته وسائل الإعلام المصرية من رفض وإدانة لدعم أمريكا للإخوان واستقبال وفد من المحظورة مؤخرا فى واشنطن، وأعتقد أن أغلب ما قيل يجافى المنطق والفهم الصحيح لمصالح الدول الكبرى وطريقة عمل الإدارات الحكومية الأمريكية ومراكز التفكير فى واشنطن، والتى لن تتطابق مواقفها مع مواقفنا الرسمية والشعبية، لذلك اندهشت من نتيجة الاستطلاع، ولكن النتيجة تبدو طبيعية تماما فى ضوء ما سبق وبثته وسائل الإعلام بشان المؤامرة الأمريكية ضد مصر والتى تعتمد على توظيف الإخوان تارة وشباب الثورة تاره أخرى، والغريب أن هذا الخطاب الإعلامى بعد كل هذه الإدانة والتشكيك فى نوايا أمريكا يتطلع إلى دعمها وصداقتها!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة