يعد المستشار أشرف العشماوى حالة فريدة فى حياتنا الأدبية، فالرجل يعمل قاضيًا بمحكمة استئناف القاهرة، وهو منصب جليل وخطير، ومع ذلك فقد أدركته حرفة الأدب، وأهدى المكتبة العربية خمس روايات فى أربع سنوات فقط، صدرت كلها عن الدار المصرية اللبنانية، فضلا عن كتابه بالغ الأهمية «سرقات مشروعة» الذى فضح فيه بالوثائق عمليت سرقة الآثار المصرية وتهريبها.
أما الروايات الخمس فهى بترتيب الصدور «زمن الضباع/ 2011»، «تويا/ 2012» التى وصلت إلى القائمة الطويلة فى جائزة البوكر العربية، ثم «المرشد/ 2013» و«البارمان/ 2014»، أما روايته الأخيرة «كلاب الراعى» فقد صدرت مؤخرًا فى معرض القاهرة الدولى للكتاب.
لماذا يعد أشرف العشماوى روائيًا مختلفا؟ ذلك أننا لم نعرف فى تاريخنا الحديث أن قاضيا احترف كتابة الرواية، وإذا كان محمد حسين هيكل باشا صاحب رواية «زينب» قد نال درجة الدكتوراه فى الحقوق من السوربون 1912، إلا أنه لم يواصل إبداعه الروائى وظل متوقفا عند زينب ومأساتها، بينما أشرف يصارع الزمن وينتصر عليه.. يمارس مهام عمله الرسمى بكفاءة فى الصباح، ويبتكر الأحداث والوقائع الروائية فى المساء!
حسب علمى.. لم تنجب مصر قاضيا روائيا موهوبًا مثل أشرف العشماوى حتى الآن، ولو اطلعت على روايته الأخيرة «كلاب الراعى» فستكتشف حجم الإخلاص الفنى الذى يفوح فى كل سطر من سطور هذه الرواية البديعة.
فى «كلاب الراعى» اتكأ أشرف على جدار التاريخ، ويا له من جدار منقوش عليه خصال هذا البلد وعبقريته، وهكذا اقتنص الرجل لحظة مشحونة بصراعات بالغة حول السلطة، وكيف تربصت بنا القوى الكبرى.
أجل.. اختار أشرف الفترة الصغيرة السابقة على تولى محمد على السلطة فى مصر، أى أن روايته تدور فى سنتى «1804/ 1805»، وأظنك تعرف أن خمسة حكام مروا على مصر منذ رحيل الحملة الفرنسية حتى محمد على، الأمر الذى يؤكد كم نحن بحاجة إلى إعادة قراءة تاريخنا لنفهم حاضرنا.
لا يمكن تلخيص الرواية فى مقال صغير، لكنى موقن أنك ستجد نفسك غارقا فى زمنها، وستستمتع بها كثيرًا، فالأسلوب رشيق وحيوى والإيقاع سريع ومؤثر.
شكرًا أيها الروائى المتميز.