سمعت هذه الحكاية وطرفها رجل أعمال محترم أعرفه جيدا وأثق فى وطنيته وهى تتعلق بانتخابات مجلس النواب التى نستعد لها وتتوجه إليها الأنظار حاليا.
اتصل شخص برجال الأعمال، قدم نفسه على أنه ينقل إليه رغبة قائمة انتخابية تمثل تحالفا انتخابيا فى الترشح باسمها فرديا، وتحدث «الشخص» عن المزايا التى يتمتع بها «رجل الأعمال»، ومنها سيرته الطيبة، وثقله الانتخابى فى محافظته الدقهلية، ولهذه الأسباب توجد رغبة قوية فى الاستفادة به كمرشح انتخابى سيزيد من ثقل التحالف جماهيريا وانتخابيا فى محافظة الدقهلية، ويضمن إلى حد كبير الفوز بمقعد برلمانى.
هكذا بدأ «الشخص» حديثه لـ«رجل الأعمال»، والحديث عند حد نقل رغبة الترشيح ليس فيه مشكلة ولا يمثل عيبا، بالرغم من أن رجل الأعمال لم يكن يفكر بأى حال من الأحوال فى خوض الانتخابات، لكن الطامة الكبرى جاءت فيما تصوره «الشخص» إغراءات يقدمها إلى رجل الأعمال.
قال الشخص لرجل الأعمال، سنقدم لك 600 ألف جنيه فور موافقتك، وسنقدم 400 ألف أخرى فور بدء الدعاية الانتخابية، ولما فوجئ رجل الأعمال بهذا الكلام، سأل الشخص: «هل تعلم بمن تتصل؟»، فرد الشخص: «نعم»، فانفعل رجل الأعمال قائلا: «مين قال لك تعمل كده؟، فأبلغه الشخص باسم الذى كلفه بالاتصال: «اللواء فلان»، وانتهى الموقف بكم من الشتائم كيلها رجل الأعمال للمتصل، وللواء الذى كلفه بالاتصال وللقائمة التى يمثلها، ولكل الانتخابات.
القصة ليس فيها أى قدر من المبالغة، فرجل الأعمال الذى حدثت معه الواقعة رجل محترم، وبنى نفسه بالحلال، ولم يفكر فى خوض الانتخابات بالرغم من انشغاله بها وبهموم مصر، وما حدث معه ينقلنا إلى تصور ما يدور فى الخفاء فى مسألة تكوين القوائم، وقبل يومين عرفت من أحد مسؤوليها أن شخصا يمثل ذوى الاحتياجات الخاصة كان سيخوض الانتخابات على قائمة «صحوة مصر»، لكنه اتصل معتذرا، والانتقال إلى قائمة أخرى، بالرغم من قوله للمسؤول: «أنتم قائمة شريفة ومحترمة».
أعود إلى قصة «رجل الأعمال» ومنها نعرف إلى أى طريق نحن ذاهبون، فالانتخابات فى ظل نظام مبارك اتسمت بأسوأ ظاهرة عرفتها مصر وهى تزاوج الثروة بالسلطة، ورأينا كيف كان رجال الأعمال يتغولون فى محاولة احتكار الحياة السياسية من أجل تأمين مصالحهم الخاصة، ونجحوا فى ذلك مما رتب فسادا كبيرا واستبدادا عظيما أدى إلى ثورة 25 يناير، وفى ظل هذه الحالة لم تعرف مصر انتخابات حقيقية، فالمعروف أن الأجهزة الأمنية هى التى كانت تتكفل بها بدءا من تحديد الأشخاص الناجحين وانتهاء بتسويد البطاقات الانتخابية، وفى الحصيلة النهائية كان المصريون يجدون أمامهم برلمانا بالتفصيل، وبالطبع كان يتم ذلك بإنفاق مالى باهظ من رجال الأعمال الذين يترشحون.
القصة تعود الآن ولكن بتجليات أخرى، فليس هناك حديث سياسى للمستقبل ينشغل الناخبون به، وإنما هناك حديث عن الانتفاخ المالى للمرشح الفلانى، فى مقابل فقر المرشح العلانى، وهى لغة أصابها العطب والمرض فى الانتخابات التى تلت ثورة 25 يناير، لكنها تعود الآن بقوة هائلة، صحيح أن هناك قانون يحدد نفقات الدعاية للمرشحين، لكن عيون الرقابة لا تصل إلى الأموال التى تدفع تحت الترابيزة أثناء الانتخابات.