أدعو الله أن تقضى المحكمة الدستورية بعدم دستورية القوانين المتعلقة بانتخابات البرلمان، فلا شىء يبعث على الأمل منها وفيها.
تقرير هيئة المفوضين بالمحكمة تحدث عن عوار دستورى فى قوانين مجلس النواب، ومباشرة الحقوق السياسية، وتقسيم الدوائر الانتخابية، وصحيح أن «التقرير» غير ملزم لهيئة المحكمة، لكنه بلا شك أدمغ العملية الانتخابية كلها بشكوك فى سمعتها الدستورية، فى الوقت الذى تكتسب يوما بعد يوم شكوكا فى سمعتها السياسية، وفوق هذا وذاك هو يلقى الضوء على فترة إدارة الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور من ناحية إصدار القوانين، فبينما كانت الزفة الإعلامية تصر وتمضى على أننا أمام قامة دستورية بوصفه رئيسا للمحكمة الدستورية، نجد الآن هذا العوار الدستورى، والمؤسف فى الأمر أن العديد من القوى السياسية التى اجتمعت به وقت شغله منصبه الرئاسى أكدت له رفضها لقانون الانتخابات، وقدمت مشروعا بديلا لكن لم يتم الالتفات إليه، مما أكد أن هناك من يصر على إجراء انتخابات وفقا لسيناريوهات تم تصميمها مسبقا لا تلبى طموحنا فى المستقبل، ولا تليق ببلد قام بثورتين كان تغول الاستبداد سببا رئيسيا لهما.
فى مساء أمس الأول، مضت بعض برامج «التوك شو» فى الهجوم على «تقرير المفوضين» بطريقة بدا منها أنه هجوم على المحكمة الدستورية، وتشابكت الأسباب ما بين القول بأنه لابد من إجراء الانتخابات حتى تكتمل خريطة الطريق بوجود برلمان، وبين القول بأنه ليس من المعقول بعد أن لف المرشحون وداروا وأنفقوا، يذهب كل شىء هكذا، واللافت أن الذين يتحدثون بهذه اللغة ينتمى معظمهم إلى نظام مبارك،مما يجعلنا نتوقع أى سبيل يريدون أن يضعوا مصر فيه، وتبقى المأساة الكبرى فى أن مثل هذه الحجج وبنفس المفردات تقريبا كانت جماعة الإخوان تقولها ضد المحكمة الدستورية حين كانت تنظر الطعون فى انتخابات مجلس الشعب، وضد تأسيس الجمعية التأسيسية للدستور، وضد انتخابات الشورى، وتطور الأمر إلى حد الحصار الشهير للمحكمة ومنع دخول القضاة إلى عملهم، فإذا كانت جماعة الإخوان وحلفاؤها فعلوا ذلك، فكيف يستدعى الذين عارضوها من قبل نفس منطقها الآن؟
المؤكد أن كل هذه الأمور، تؤكد أن هناك من يضع المستقبل كله فى نفس الصندوق الذى صنعه نظام مبارك، ويكتب قوانين وهو يعلم أنها لا تعبر بنا إلى المستقبل بأى حال من الأحوال، ولأجل ذلك أقول إنه لو قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية القوانين المتعلقة بالانتخابات فسنكون أمام فرصة ليس فقط فى إصلاح العيوب الدستورية، ولكن فى التأسيس السياسى السليم لانتخابات صحيحة، بدلا من إتمامها لتسجيل مكسب شكلى نتحدث به خارجيا، بينما يبقى الداخل بكل مساوئه الهائلة، وهذا بالضبط ما كان يفعله نظام مبارك، ولا يمكننا البقاء أسرى فيه بوجوهه التى تخطط للسيطرة على البرلمان.
هل يعقل مثلا أنه أصبح شائعا الآن أن المرشح الذى يملك المال هو القادر على حسم الانتخابات؟ هل يعقل أن نرى كل هذا الإصرار من الذين أفسدوا حياتنا السياسية من قبل على خوض الانتخابات؟ صحيح أن هذا يتم باسم الممارسة الديمقراطية، لكن حين تكون هذه الممارسة سليمة فى كل المجالات وتؤمن للناخب حرية التصويت دون حاجته للمال لمواجهة أعباء الحياة، يكون الحديث صحيحا عن الديمقراطية.