الحرب الإعلامية لم تعد مجرد تعبير مجازى وإنما حقيقة تجسدت فيما يقوم به تنظيم داعش الإرهابى سواء فى سوريا أو العراق أو ليبيا للترويج لنفسه وجذب مجاهدين من ناحية ولتعريف العالم بمدى وحشيته وقوته العسكرية من ناحيه آخرى، فهذا التنظيم منذ اللحظة الأولى أدرك أهمية الدور الذى يلعبة الإعلام ومعه مواقع التواصل الاجتماعى، وبدأ يستغل تلك الأذرع للوصول إلى أهدافه بحرفيه، فبشاعة المشاهد التى ساقها الفيديو الآخير لتنظيم داعش وهو يذبح 21 مصريا أبرياء ومن قبله فيديو حرق الطيار الأردنى معاذ الكساسبة لم تصرف كل من شاهدها عن التوقف أمام التقنيات الحديثة المستخدمة فى التصوير والإخراج من قبل التنظيم.
وفى الوقت الذى لم يتخطَ فيه إعلام تنظيم القاعدة البيانات المكتوبة ورسائل زعمائه أسامه بن لادن وأيمن الظواهرى المصورة بطريقة بدائية، استطاع داعش الإرهابى وضع استراتيجية إعلامية له تقوم عليها - على ما يبدو - ماكينة متكاملة ومدربة تراعى فى الجمهور المستهدف كل الجوانب النفسية والاجتماعية والدينية.
واستخدم التنظيم فى خطابه الإعلامى اللغات المختلفة إلى جانب اللغة العربية كالكردية والإنجليزية والفرنسية مستغلا بذلك الجنسيات الأجنبية التى استطاع تجنيدهم عبر مواقع التواصل الاجتماعى ليضمن أن يكون خطابه موجه للعالم وليس لدولة أو شعب بعينه، لدرجة دفعت البعض إلى الشك بأن الماكينة الإعلامية لتنظيم داعش ربما يقف خلفها جهات فى دول كبرى.
وبدأ داعش لفت الأنظار له بقدرة فائقه على استغلال مواقع التواصل الاجتماعية خاصة تويتر وموقع اليوتيوب فى نشر آيديولوجيته والترويج لأفكاره وتجنيد أكبر عدد من الشباب والتواصل معهم فضلا عن نشر تغريدات تتضمن أخباره، حتى اعتبره المحللون للتنظيمات الإرهابية بأكثرها استخداماً للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، وانتقلت المنظومة الإعلامية الداعشية من مواقع التواصل الاجتماعى إلى الصحافة المطبوعة حيث قامت عقب نجاحاتها على الأرض فى العراق وسوريا بإصدار مجلة «دابق» التى وصفها المتخصصون بالحرفية العالية من حيث التقنيات الحديثة والإخراج وتوظيف الصور وجودتها، وصدرت باللغتين العربية والإنجليزية وتم توزيعها فى المناطق التى سيطر عليها داعش وتضمنت كل المعلومات التى يمكن أن تحتاجها عن التنظيم وما يتعلق به.
ومن المطبوع إلى المرئى يتنقل التنظيم وينوع فى وسائل إعلامه توسيعا لقاعدة جماهيره وخدمة لهدفه بالتوسع والانتشار وبث الرعب فى أجهزة الدول التى يقف على أعتابها، حيث يقوم بإنتاج أفلام أشبه بالوثائقية مثل سلسلة «صليل الصوارم» و«صليل السيوف»، حيث استغل فى إنتاجها ما يملكه من تقنيات عالية لتحقيق نفس الأهداف السالفة الذكر، كما يبث التنظيم إذاعة فى مدينة الموصل واستولى آخيرا على إذاعة فى مدينه سرت الليبية، وإذا كان تنظيم داعش حتى اللحظة لا يملك قناة فضائية فإنه يضمن له مساحة لا بأس بها فى كل فضائيات العالم التى ساهمت فى الترويج له، بعضها عن قصد والآخر عن جهل من خلال بث الفيديوهات التى ينتجها ويصور من خلالها جرائمه البشعة المنافية لكل الأعراف والتقاليد واستطاع أن يحقق مبتغاه بنشر الخوف والفزع والرعب.
والسبق ليس عذراً مقبولا لأى وسيلة إعلامية تساهم على هذا النحو فى مساعدة داعش لنشر أفكاره المتطرفة التى يستغل فى نشرها اسم الدين الإسلامى الحنيف، وأذكر هنا موقفا مصريا قويا فى أعقاب بث التنظيم فيديو حرق الكساسبة الذى نقلته بعض الفضائيات المصرية كبث للحدث، وسارع مسؤول بالدولة – أدرك خطورة الأمر معنويا وسياسيا ليس على الأردن الشقيق فقط وإنما على دول المنطقة كلها - بالاتصال بوسائل الإعلام لإيقاف بث الفيديو وهو ما تم بالفعل خلال وقت وجيز، وعلى الرغم من ذلك فأن بعض القنوات الفضائية أذاعت جزءا من فيديو ذبح المصريين ولا أجد تبريرا واضحا لذلك حتى وإن كانت تلك الأجزاء لا يوجد بها مشاهد لعملية الذبح البشعة.
فالحرب المعنوية عبر الإعلام أصبحت أكثر قسوة واحتدام من حرب المدافع، ومن يمتلك اليوم منظومة إعلامية قوية يستطيع تحقيق أهدافه على نحو أكثر يسرا، والعقلية الإعلامية لداعش أكثر شراسة من عقليتها العسكرية، وتستغلها فى عملية تكسير عظام كل الأجهزة الأمنية بالمنطقة معنويا قبل الدخول فى مواجهة مباشرة معها، وإذا كان لابد من تنسيق دولى معلوماتى وعسكرى للقضاء على الإرهاب بالمنطقة فلابد من مواجهة إعلامية قوية، وحذر وحيطة فى تناول الأخبار التى تخص التنظيمات الإرهابية عموما، وإذا كانت استراتيجية داعش الإعلامية نجحت فى أهدافها خلال الفترة الماضية فلابد من استراتيجية إعلامية مساوية لها فى القوة ومضادة فى الاتجاه لإفشال حربها المعنوية ضد بلادنا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة