فى طفولتنا كنا نسمع عن اتحاد الجمهوريات الثلاث بين مصر وسوريا وليبيا، وكان الرئيس السادات قد دعا إلى هذه الوحدة، واستجاب لها العقيد معمر القذافى حاكم ليبيا وحافظ الأسد حاكم سوريا، وبالفعل أعلن عن هذه الوحدة فى 27 إبريل عام 1971، لكن اختلاف التوجهات السياسية بين الحكام الثلاثة عقب انتصارنا فى حرب أكتوبر 1973 أدى إلى تعطيل العمل على درب الوحدة.
وكان قد حدث بين مصر والسودان درجة ما من التعاون فى نهاية عهد السادات، لكن الزمن كان شحيحًا ولم يستمر، ثم انشطر السودان إلى نصفين وكان ما كان، فلا المصريون طوروا علاقتهم بالسودان، ولا أشقاؤنا فى السودان استثمروا الجيرة التاريخية مع مصر، وكأن أحمد شوقى يردد علينا الآن ما قاله فى منتصف عشرينيات القرن الماضى فى قصيدته الشهيرة التى شدا بها عبد الوهاب ومطلعها: (إلامَ الخلف بينكمُ إلاما/ وهذى الضجة الكبرى علاما؟ وفيما يكيد بعضكم لبعض/ وتبدون العداوة والخصاما/ وأين الفوز لا مصر استقرت على حال/ ولا السودان داما).
هكذا إذن تبددت مشروعات الوحدة وتبخرت فى فضاء الخلافات ومكائد القوى الكبرى، لكن الظروف الآن تستدعى التفكير جديًا فى تكوين (اتحاد) بين مصر وليبيا والسودان بشطريه، ولك أن تتخيل كيف سيكون المشهد إذا تكاتفت القوى البشرية المصرية الهائلة، مع المساحة الشاسعة لليبيا وإطلالاتها الساحرة بالغة الأهمية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، فضلا عما تختزنه أرضها من بترول بغير حساب، علاوة على السودان الذى يتمتع بأرض خصبة يمكن أن تكون سلة غلال أفريقيا كما يقال.
هذه الوحدة أظنها صارت حتمية لتخرج شعوب هذه الدول الثلاث من فوضى التخلف والجهل والتشدد، فالتعاون هنا سيجلب الخير للجميع، ولكن على أى أسس ستتم الوحدة؟ وما الضمانات التى سنتخذها حتى نحافظ على استمرارها وتعاونها؟ وكيف يمكن مواجهة قوى الغرب التى ستفعل الأعاجيب حتى لا تقوم لهذه الوحدة قائمة؟ وإذا تمكن القادة من تجاوز ألاعيب الغرب، كيف يمكنهم المحافظة على مشروع هذه الدول الثلاث؟
أسئلة كثيرة تطرحها فكرة الوحدة بين مصر والسودان وليبيا.. ليتنا نجد لها الإجابات المطمئنة.