إسلام يكن، ومحمود الغندور.. أسماء تصدرت عناوين الأخبار فى الفترة الراهنة، وللأسف لحقت بأسمائهم كلمة «داعش»، أخطر تنظيم إرهابى فى الوقت الحالى.. العناوين والقصص التى تصف حياتهم، والتى نقلتها وسائل الأنباء من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعى، وبعض المعلومات القليلة عنهم أصابتنا بالصدمة والدهشة والحزن، وأصبح السؤال الرئيسى فى أذهان الجميع: ليه؟! وإزاى؟!
أسئلة صعبة لن يتم الإجابة عنها بسهولة أو من خلال معلومات سطحية عن ظروف معيشتهم وشخصيتهم، لكن لابد من دراسة كل حالة من جميع جوانبها، وأن نقف على الأسباب الرئيسية وراء انضمامهم لمثل تلك الكيانات القاتلة باسم الدين، فبالتأكيد هناك أسباب مباشرة تخص محيطهم الشخصى، وظروف التربية والنشأة، وما تعرضوا له من أزمات، وأسباب أخرى غير مباشرة تتعلق بالمجتمع نفسه.. أسلوب التعليم، الخطاب الدينى، الخطاب الإعلامى، الفراغ السياسى الذى تتعمده بعض الحكومات، وما إلى ذلك.
فلابد أن تتصدى الدولة بكل مؤسساتها بالتعاون مع الشعوب لظاهرة انضمام الشباب الوسطى لمثل هذه التنظيمات الإرهابية، أعلم أنه من الصعب تفهم إعجاب الشباب العربى والمسلم بتنظيمات كهذه، فكثير من الناس يفترض أنه لأسباب دينية أو بسبب شبكات التواصل الاجتماعى، إلا أن هذه ليست الأسباب الكاملة لإعجاب وانضمام مئات الشباب، تاركين حياتهم للانضمام لقوات إرهابية فى سوريا والعراق وليبيا، فهناك أسباب أخرى ذكرها وسردها العديد من المحللين تفسر الانجذاب الخطير لداعش، واستيعاب هذه الأسباب والتصدى لها أمر رئيسى لكسب الحرب ضد هذه التنظيمات. ومن هذه الأسباب التى تم ذكرها أنظمة التعليم العربية الفاشلة التى تعتمد على التعليم الروتينى القائم على الحفظ والتلقين، والبعيد كل البعد عن مهارات البحث والتحليل، هذا إلى جانب مناهج التاريخ والتربية الدينية التى ترسخ التفرقة العنصرية والفكرية والطبقية، ومنها أيضًا نقص فرص العمل، والبطالة التى وصلت نسبتها لدى الشباب العربى إلى تسعة وعشرين بالمائة مؤخرًا، وأغلب هؤلاء من حملة الشهادات العليا، ووفقًا للتوقعات ستحتاج سوق العمل العربى إلى 105 ملايين وظيفة بحلول عام 2020 لاستيعاب الشباب، مما أدى إلى زيادة نسبة الفقر، وتدهور المعيشة، وهو ما استغلته بعض الجماعات الإسلامية، فقامت بإنشاء جمعيات خيرية لتقديم المساعدات للشباب والأسر الفقيرة، وللأسف الشديد هذا كان بمساعدة الحكومات العربية التى كانت سببًا رئيسيًا لرعاية وازدهار مثل تلك الجماعات التى كانت تستخدمها كتهديد للشعوب، إما أن يقبلوا بديكتاتوريات الحكام العرب، أو نيران الجماعات الإرهابية، وذلك حفاظًا على كراسيهم ومصالحهم، ولنا فى مبارك أسوة عندما صرح «أنا أو الفوضى» التى رعاها طوال فترة حكمه، والآن أصبحت مثل هذه الجماعات من أهم منصات تجنيد الشباب العربى للقتال فى التنظيم الإرهابى. ثالثًا: نظم الحكم العربية الفاشلة التى أدت لتفاقم مشاعر الظلم لدى المواطنين، سواء ما كان من تعذيب للشباب، أو إهانة لكرامتهم، وفساد، واستحالة تطبيق العدالة الاجتماعية والمساواة، فالإساءة الممنهجة للمواطنين العرب على أيدى حكوماتهم ساعدت وبقوة على تأجيج مشاعر الغضب، وتسهيل حركة الشباب تجاه تنظيمات إرهابية، بجانب أن مؤسسات الدولة التى يجب أن تكون بعيدة كل البعد عن ممارسة السياسة للأسف الشديد هى التى تمارس السياسة، والتضييق على الأحزاب والكيانات السياسية وقمعها عندما تمارس السياسة والمعارضة، فوفقًا لاستطلاع رأى حديث فإن خمسة وخمسين بالمائة من المواطنين العرب لا يثقون بحكوماتهم ونخبهم السياسية، ويرى أكثر من تسعين بالمائة أن الفساد المالى والحكومى منتشر بالأجهزة الحكومية، بينما يرى أقل من واحد وعشرين بالمائة أن القانون يعامل كل المواطنين بالمثل. رابعًا: رد فعل بعض الحكومات العنيف على الربيع العربى، فالعنف الممنهج من قبل الدول ضد المواطنين خلال مظاهرات الربيع العربى باستعمال البراميل المتفجرة، والأسلحة الكيماوية، كما حدث فى سوريا، أوضح مثال على هذا، ولهذه الأفعال القدرة على شق الصف الوطنى والمجتمعى، وشعور الشباب بالاغتراب والإحباط، وفقدان القدرة على التغيير السلمى من خلال مظاهرات أو ثورات، باحثين بكل أسف عن وسائل أخرى أكثر عنفًا. خامسًا: فقدان الثقة فى الغرب.. قام الغرب وجيوشه بالتدخل فى العراق وليبيا واليمن، وفشل فى دعم التظاهرات المدنية فى سوريا، والديمقراطية فى مصر، وبناء الدولة فى ليبيا، وكان هذا بمثابة أدلة للشباب على عدم إخلاص الغرب فيما يخص المنطقة، تاركًا الخلافة الإسلامية كبديل ذى قوة ووجاهة- من وجهة نظرهم- لاستعادة كرامة وحقوق العرب والمسلمين. لذلك كله فالتصدى لظاهرة انضمام الشباب لمثل هذه الجماعات لا يتمثل فقط فى العمليات العسكرية الجارية، وتبرؤ عدد من العلماء والشيوخ من التنظيم، فهذا مهم جدًا بالتأكيد، كن علينا بالتوازى الاعتراف بأن الحكومات العربية جزء لا يتجزأ من المشكلة، والانتصار على هذه الظاهرة يتطلب خوض معارك إصلاحية على أصعدة مختلفة، وابتكار بدائل وحلول تناسب الواقع الحديث، وتعطى للشباب بدائل حقيقية جديدة للتغيير والتقدم.