لا يمكننى وصف حجم الفجيعة والفظاعة التى انتابتنى بعد مشاهدة فيديو لكلب تم ذبحه فى وسط شارع كائن بمنطقة الأهرام بشبرا على يد حفنة من معدومى الآدمية، فالأمر ليس مجرد واقعة قام بها نفر من المتجردين تماما من الإنسانية بقدر ما هو ناقوس خطر يدق ليؤكد أن هناك دواعش يعيشون بيننا ولو وجدوا مناخا حاضنا لعاهاتهم النفسية ما ترددوا لحظة واحدة فى تطبيقها والجهر بها وهو الأمر الذى يلقى على عاتق الأجهزة الأمنية حمل الانتباه ورفع درجات الحذر واليقظة لأقصاها، مزيد من الفجع والفزع يكمن فى تفاصيل الجريمة نفسها لأن هذا الكلب سلمه صاحبه لهؤلاء السفاحين وهو يعلم أنهم سيقتلوه ذبحا، صاحبه كان يعلم مصيره ورغم ذلك وافق على تسليمه لينهى موقف الخصومة بينهم وبينه، كان يعلم أن هذا الكلب سيعاقب بالذبح على وفائه الذى جعله لا يحتمل أن يراه يهان ويضرب فتدخل بهجوم شرس عليهم ليوقفهم بعيدا عنه وإن لولاه لكان هو الآن مقتول أو يعيش بعاهة مستديمة على أقل تقدير ورغم ذلك سلمه لهم ليعاقب على ذلك ووقف بعيدا يراقب مشهد التعذيب والذبح! أى خسة وندالة هذه؟! مات هذا الكلب مذبوحا لأنه أوفى من صاحبه مليون مرة ولأنه مفطور على فطرة خالق الكون الذى زود فصيلته بقيمة الوفاء النادر الذى لا يعرفه كثير جدا من بنى الإنسان، أتصور أن الموت نفسه لم يألمه رغم أنه تعرض قبل ذبحه لتعذيب وحشى بالسيوف والسكاكين بقدر ما ألمه رد فعل صديقه الندل الذى نسى فضله وضحى به وساهم فى إقرار معنى أن يكون الوفاء جريمة تستوجب الموت، وأتصور أيضا أنه لم يذبح بالسكاكين والسيوف وإنما ذبحته خسة صاحبه، ما أصعب أن تموت على يد من كنت مستعد يوما للموت من أجله، وما أقسى شعورى الآن بأن الحيوان أرقى وأفضل وله مبدأ والإنسان لا!!، سمعت كثيرا أن الكلب كائن نجس ومن يتعامل معه تعاملا مباشرا عليه أن يتطهر بشكل دورى حتى تقبل صلاته وعباداته بشكل عام لكنى الآن على قناعة تامة أن هناك بعض البشر أنجس بكثير جدا ومجرد وجودهم فى المجتمع ومخالتطهم بالآخرين يستوجب الطهارة والوضوء كل خمس دقائق!
إن الجرائم التى ترتكب فى حق الحيوان لدينا هى أكبر شاهد على عمق القاع الذى نركد فيه جميعا، تلك الجرائم أكبر دليل على أن الكلام الذى يتشدق به كثير من النخبة بأن هذا المجتمع متدين بطبعه ما هو إلا "محض فنكوش" ولو كنا فى بلد يحترم فيها الدستور والقانون لتم تحويل جميع من ظهر فى هذا الفيديو إلى المحاكمة ولأخذوا أحكاما رادعة عقابا على تلك الوحشية والسادية التى قاموا بها فى الفيديو، وحتى لو كانت جريمة قتل هذا الكلب فى نظر القانون المصرى لا تتعدى مجرد جنحة وعقوبتها تقترب من اللاشىء، فأعتقد أن حيازة الأسلحة البيضاء والتجمهر وتكدير الرأى العام يعد جناية وعقوبتها إلى حد ما ستشفى غليل كل من شاهد بشاعة الفيديو المهم أن تكون هناك أصلا نية لعقوبة هؤلاء السفاحين، إن قصة هذا الكلب ستبقى حجة علينا جميعا وستبقى صورته وهو ينازع وينبح ألما دليل على أوضاع كثيرة مغلوطة تحتاج إعادة نظر فورى لو أردنا أن تكون مصر " أد الدنيا " كما نردد دائما، فجانب من حضارة الشعوب يقاس بشكل التعامل مع الحيوان فيها وفى هذا الجانب نقيم نحن بخمسين صفر وليس صفرا واحدا.