أمس الأول فقدت مصر واحدًا من خيرة عشاقها المخلصين، بذل عمره فى سبيل الخير والعلم والحرية، لم يكن الأستاذ سليمان فياض فقط كاتب قصة كبيرًا وباحثًا متخصصًا فى علوم اللغة العربية، لكنه كان عنوانًا لمصر المبدعة الحنونة، لم يضبط متلبسًا بالانحياز لأحد على حساب الحقيقة، عاش عف اليد واللسان والثياب، منحازًا للموهبة وحق الاختلاف، الوحيد الذى لم يختلف اثنان عليه، فى جيله «جيل الخمسينيات» والأجيال التالية، كان يتم الاحتكام إليه لأنه الحكيم، أعرفه طوال عمرى، هو من الذين تفرح حين تراهم، لأنك ستكون محاطًا بمودة قديمة، ستجد نفسك فى قريتك إذا كنت فلاحًا، أو تسترد مدينتك إذا كنت قاهريًا، لحق بإبراهيم منصور وأصلان والبساطى وحجازى الرسام ونجم وخيرى وغيرهم، لحق بأصدقائه الذين قاوموا التفاهة والخسة والقبح بالعمل الشاق والانحياز للفقراء، هو الأزهرى الذى جلس يحرس اللغة، ويجند عشاقًا جددًا لسلطانها، تصدى للتكفيريين الذين تواطأ النظام معهم.
وفرّق بين الزوج وزوجته.. فى كتاب «النميمة» فضح أسماء صنعت صورتها بالغش، فى أيام «مجاور» كشف عن بدايات إفساد رجل الدين، فى الوجه الآخر للخلافة الإسلامية فضح المشروع الذى تسال الدماء لكى يتحقق، وكان يرى أن الخلافة الإسلامية منذ العصر الأموى فى القرن الأول الهجرى حتى سقوط الإمبراطورية العثمانية فى عشرينيات القرن الماضى استخدمت الدين قناعًا «لإخضاع البلاد والعباد» بما أساء إلى مقاصد الإسلام، كان أيضًا من أعمدة كتاب القصة القصيرة، رغم ترجمة روايته الفريدة «أصوات» إلى معظم لغات الأرض، عمى سليمان الحبيب: خلو العالم من ابتسامتك الصافية.. كارثة.