قبل أن أنتظم فى كتابة عمود يومى، كنت بالأساس محررًا متخصصًا فى تغطية شؤون المحاكم والقضايا، وبعد ثورة يناير تضاعفت القضايا، وتضاعف معها جهدنا فى الحصول على أوراق تحقيقاتها، وحضور جلساتها، وتنقلنا بين محاكم التجمع الخامس وأكاديمية الشرطة، وسجلنا فى تاريخنا أول مشهد لـ«عز» فى القفص، ولـ«جرانة» خلف القضبان، ولـ«مبارك» بالبلدلة البيضاء، ولـ«نظيف» بالكلبشات.
تدور الأيام سريعًا، وتتوالى الجلسات، وتصدر الأحكام، وعيننا دائمًا كانت على العدالة مهما كان وجهها، الإدانة أو البراءة، الأصل العدالة فقط، وحول هذا المفهوم دارت بعقلى مئات الأسئلة فى عشرات القضايا، سأطرح 3 وقائع فقط منها عليكم، ملتزمًا بالميثاق الأساسى «احترام القضاء، ولا تعليق على الأحكام».
1 - قضية اللوحات المعدنية.. فى فبراير 2013، أصدرت محكمة الجنايات حكمًا بالسجن سنة لأحمد نظيف، و10 سنوات ليوسف بطرس غالى، و5 سنوات لحبيب العادلى، وإلزامهم برد 92 مليون جنيه، بينما فى فبراير 2015 أصدرت محكمة الجنايات حكمًا فى ذات القضية وذات الوقائع ببراءة جميع المتهمين.
2 - قضية تصدير الغاز الطبيعى لإسرائيل.. فى يونيو 2012، أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمًا بسجن سامح فهمى وزير البترول 15 عامًا والغرامة 2 مليار و3 ملايين و519 ألف جنيه، وفى فبراير 2015 أصدرت محكمة الجنايات فى نفس القضية وذات الوقائع حكمًا ببراءة سامح فهمى.
3 - غسيل الأموال.. فى أكتوبر2012، أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمًا بالسجن 7 سنوات لأحمد عز، وألزمته بدفع غرامة 19 مليار جنيه فى قضية اتهامه بغسل الأموال المتحصلة من جريمتى التربح والاستيلاء على المال العام، وفى مايو 2013 ألغت محكمة النقض الحكم، وفى أغسطس 2014 أخلت محكمة جنايات القاهرة سبيل أحمد عز فى ذات القضية وذات الوقائع بغرامة 100 مليون جنيه.
اخترت الوقائع الثلاث تحديدًا لأن الحكم يتضمن سجنًا مشددًا، وغرامة كبيرة فى الجولة الأولى من المحاكمة، بينما فى الجولة الثانية لا سجن، ولا حتى الغرامة إلا فى حالة «عز» فقط، والغرامة أيضًا لا تساوى شيئًا بجوار الغرامة الأولى، كانت 17 مليارًا وأصبحت 100 مليون.
لا أعلق على الأحكام، فقط أبحث عن العدالة، أبحث عن الحقيقة، كمواطن مصرى أنا أمام حقيقتين لمحكمتين لهما كل التقدير والاحترام، المحكمة الأولى قضت بأقصى العقوبة، والثانية قضت بالبراءة، ولكل محكمة حيثياتها وسندها القانونى فى الإدانة والبراءة، وأنا بطبيعة عملى أكتب خبر الإدانة، وأكتب أيضًا خبر البراءة، لكن تتملكنى الحيرة، هل نحن نسير على طريق العدالة؟، هل نتحرك إليها؟، هل نحققها على القدر المرغوب؟!