لكن على أية حال فقد كان جسر «بونتى سالازار» بطول ثلاثة كيلومترات تقريبا، كما أن الرجل العجوز الذى يسير إلى جوارنا وهو يحمل العلم البرتغالى -بلونيه الأخضر والأحمر- يشرح لألبرتو وألبرتو يترجم لى فكنت أحاول الفهم بصعوبة ربما لأن اللغة كانت صعبة، وربما لأن الدوار من تأثير النبيذ فى رأسى كان فى بدايته وكل ما فهمته أن الرجل العجوز الذى يحمل العلم البرتغالى كان هنا بالأمس ورأى بنفسه الرئيس «أميركو توماز» فى مقدمة المحتفلين وكان معه رئيس الوزراء «أنطونيو دى أوليفيرا سالازار» كما أنه أكد بحسم أنه رأى بنفسه بطريرك لشبونة الكاردينال «مانويل جونسالفيس» وهو يرقص بدون خجل، والأدهى أن رئيس الوزراء «أنطونيو دى أوليفيرا سالازار» كان يصفق له مع المواطنين العاديين، لم أكن أعرف إلى أين نحن ذاهبون، كما أننى لم أتنبه بعد ذلك أننى فقدت أى أثر لألبرتو وسط الزحام إلا بعد أن حاولت أن أجد إجابة على هذا السؤال تحديدا.
اختفى «ألبرتو» إذن؛ فغالبت توترى وذلك الدوار الذى يدور فى دماغى وأمام عينى وقررت العودة للخلف من حيث أتيت إلى السفينة، بدا لى أن ساقى ليستا متماسكتين كما أن قدمى اليمنى لم تستطع أن تثبت على الأرض أثناء سيرى، وفيما يبدو أننى كنت أسير مترنحا، فطنت إلى ذلك عندما تبينت أن أحد الشباب يسندنى من ظهرى وهو يمسك بى من ذراعى وهو يقول لصاحبه: «ميتو فينهو» وفهمت من إشارته أنه كان يقول لزميله الذى يسندنى من الجهة الثانية أنى شربت كثيرا من النبيذ، لاحظت أن مجموعة من الشباب قد أحاطوا بى فى دائرة وهم يتضاحكون فخالجنى بعض الخوف، لكن سرعان ما خف خوفى عندما راح واحد منهم يسألنى بعض الأسئلة فقدرت أنه ربما يسألنى من أين أتيت، حاولت إفهامهم أنى بحار مصرى من ميناء «الإسكندرية»، تصايح الجميع فى مرح محتفيين بى فالتفوا حولى بكثافة ووجدت نفسى محمولا فوق رؤوسهم فبدأت أنادى على «ألبرتو»، لكن الشباب أخذوا يقذفون بى إلى أعلى ويتلقفونى بين سواعدهم، ثم يعيدون الكرة عدة مرات وهم يرددون هتافات لم أفهم معناها إلا أنهم كانوا فى نشوة غامرة وهم يرددون «جلوريا دى برتغال.. فيفا برتغال.. برتغال جراند باترى.. فيفا سالازار.. فيفا أمريكو توماس»، وفى كل مرة يهتفون فيها باسم أحد كانوا يقذفوننى ويتلقفوننى فى نشوة معدية لدرجة أنى كنت أردد معهم هتافاتهم وسط ضحكاتهم التى انتهت معى بأن أخذوا يكررون مصافحتى فى مودة، اقتربت منى فتاة بيضاء بعيون زرقاء وقبلتنى على شفتى وناولتنى علم البرتغال الذى كانت تحمله فلم أتمالك نفسى من ترديد الهتاف وأنا ألوح بالعلم ذى اللونين الأحمر والأخضر.تبينت أننى وصلت إلى نهاية الجسر مرة أخرى فسألت أحد الشباب كيف أصل إلى سفينتى فى الميناء، رافقنى الشاب متطوعا أن يوصلنى بنفسه حتى باب الجمرك وكنت طوال الطريق ألوح بعلم البرتغال فى الفضاء وأنا أردد بعض الهتافات التى كنت قد حفظتها ولاحظت أن كثيرا من الناس كانوا يضحكون من منظرى إلى أن أوصلنى الشاب إلى باب الجمرك فدخلت وكنت فى هذه اللحظة أحاول تذكر وجه الفتاة البيضاء التى أعطتنى العلم فلم أستطع.. وللمذكرات بقية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة