ما السر فى بقاء صوت أم كلثوم على قيد الحياة رغم مرور أربعين عاما بالتمام والكمال على رحيلها اليوم، إذ توفيت فى 3 فبراير 1975؟ وكيف نفسر حضورها الطاغى فى وجدان الملايين من الذين لم يعاصروها، وربما ولدوا بعد غيابها عن دنيانا؟
إن ظاهرة أم كلثوم ستظل تحير علماء الاجتماع ونقاد الفن، ذلك أن صوتها الريان مازال يصدح فى كل مكان لا فى مصر فحسب، وإنما فى العالم العربى كله، فما من بلد عربى إلا وله مع أم كلثوم قصة وحكاية، وقد رأيت بنفسى وجلست فى مقاه عديدة تحمل اسم هذه الفنانة الفذة.. سواء فى الإمارات أو العراق أو الجزائر أو سلطنة عمان أو تونس أو الكويت أو اليمن.. إلى آخره.. فالكل من عشاق أم كلثوم، ويبدو أن المرء كلما تقدم فى العمر اكتشف سحر هذه السيدة وعبقرية أدائها.
المثير للدهشة بحق أن صوت أم كلثوم ليس كأصوات المطربات الأخريات، فلا تشعر حين تنصت إليه بتركيز أنه صوت امرأة أو أنثى، وتذكر أصوات صباح وفايزة وفيروز وشادية ووردة ونجاح سلام لتتأكد من ذلك، كذلك لا يندرج صوت كوكب الشرق ضمن أصوات الرجال، فلا هى تشبه عبدالوهاب أو عبدالحليم أو عبدالمطلب، فما هو بالضبط الطبيعة الخاصة لصوت كوكب الشرق؟
طرحت هذا السؤال على الشاعر الرائد المجدد الأستاذ أحمد عبدالمعطى حجازى فى إحدى لقاءاتنا، فقال لى إن صوت أم كلثوم يعد هو الصوت المطلق للبشر - ذكورًا وإناثا - فالنساء تستطيع أن تستعير منه جزءًا، والرجال يمكنهم أن ينهلوا منه قبسًا، وعليه فقد اجتمع فى هذا الصوت المثالى كل حلاوة وسحر وطرب.
عندما ماتت أم كلثوم كنت فى السنة الثانية من المرحلة الإعدادية، وأذكر جيدًا كيف عاد أبى من العمل - وكان مفتونا بأم كلثوم أيما افتتان - ورفض تناول الطعام، إذ قال لوالدتى بحزن شديد «الست ماتت.. فكيف نأكل؟».
أذكر أنهم سألوا نجيب محفوظ مرة عن رأيه فى كوكب الشرق، فقال بحق: «أم كلثوم نعمة الدنيا».