ليتك يا قارئ هذه السطور كنت أحد زوار معرض القاهرة الدولى للكتاب صباح السبت الماضى.. كنت سترى هذا المشهد الجميل المرفق بهذه السطور.. طوابير طويلة ممتدة، وتلتف داخل بعضها بعضا، أمام مدخل البوابات فى جهة صلاح سالم، كان المشهد الأعظم لهذه الطوابير الطويلة التى ينتظر أصحابها فى صبر وتحمل لمعاناة وقوفهم أكثر من ساعتين، تحت شمس هذا اليوم التى لم تكن دافئة عكس ما هو متوقع، بل كانت حارة، له العديد من الدلالات سنحاول أن نأتى هنا على بعضها.
إذا أحصينا عدد زوار معرض الكتاب- وللأسف هذه الإحصائيات ليست متوافرة بيد كاتب السطور- يمكننا أن نخمن أن الآلاف يترددون يوميا على معرض الكتاب، وكان الدكتور أحمد مجاهد، رئيس الهيئة العامة للكتاب، قد توقع أن يصل عدد زوار المعرض فى دورته الحالية إلى المليون ونصف المليون زائر، ولكن مشهد الطوابير المفرح يوم السبت الماضى ربما يؤكد أن هذا الرقم ليس دقيقا، بل ربما يتفوق على هذا الرقم، بمليونين، حيث نجحت الترتيبات الأمنية المقلقة، وهى كلها ترتيبات أمنية إيجابية الطابع، سلبية فى آثارها، نجحت هذه الترتيبات أن تبرز أمام أعيننا حجم المترددين يوميا على المعرض، وضخامة الأعداد، وهو ما يشى بإمكانية أن يتخطى عدد زوار المعرض حاجز المليونين، أو أكثر حسبما أتمنى، ويبقى السؤال: هل من وسيلة لاستثمار هذا الحضور الجارف لمعرض الكتاب فيما بعد انتهاء فعالياته؟
كيف تبنى رموز الثقافة الفاعلة سواء كانت حكومية أو خاصة، سواء كانت مؤسسات تتبع وزارة الثقافة، أو مؤسسات ثقافية خاصة «دور نشر- مراكز ثقافية أجنبية- مكتبات- مؤسسى منظمات ثقافية داعمة للعمل الثقافى» كيف يبنى هؤلاء جميعا على الحضور الكبير الفاعل للشباب، والفتيات، والمراهقين الذين اصطفوا طوابير لدخول معرض الكتاب، كل إلى بغيته؟ كيف تستفيد هذه المؤسسات من الحضور الكاسح العريض لهذه الطوابير فى عمل ثقافى كبير، يدعم النظرة التنويرية ويؤسس لجبهة ما، تستفيد من هذه الطاقة الهائلة التى تحملت الوقوف ساعات، من أجل دخول معرض الكتاب بمدينة نصر؟
نجح أحد الجروبات على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» ويسمى «عصير الكتب» فى حشد العديد من متابعى الصفحة من الشباب، وتنظيم رحلة ثقافية إلى المعرض، كان مشهد تجمع هؤلاء الشباب، وبعضهم طلبة لم يتخط حاجز العشرين من عمره، مميزا كذلك لقدرة العمل الأهلى الثقافى على جذب الانتباه، والحشد الثقافى والفنى، وهو ما يعكس قدرة الصفحات الثقافية على مواقع التواصل الاجتماعى فى الحشد النوعى، بغرض تجمع فنى ما، ألا يمكن لأى من المهتمين بهذه الأفكار، فى بحثها ودراستها، والتفكير فى مبادرة لتعظيم الاستفادة من الطوابير الهائلة التى احتشدت أمام المعرض، محتملة هذه الشمس وأشياء أخرى لشراء الكتب؟
الطوابير تعكس أن هناك قدرة شرائية هائلة بين الشباب، إذا أمكن توظيفها أو جعلها على قاعدة معلوماتية واحدة «Data Base» وربطها باستمرار بهذه القاعدة، سيوفر ملايين على الدولة التى تعجز بعض الأحيان عن تنظيم فعالية ما فيما تنجح صفحة على موقع فيس بوك، فيه، إذ بإمكان القائمين على المعرض، والفرصة لم تزل متاحة، منح زوار المعرض أثناء دخولهم أوراقا لتقييم أنشطته، يوضع بإحداها خانة تحثه على التواصل مع هيئة الكتاب ووزارة الثقافة، وتعريف الشباب بأماكن فعاليات وزارة الثقافة طيلة العام، وكذلك ربط زوار المعرض بفريق عمل داخل وزارة الثقافة، يتصل بهم مباشرة قبل كل فعالية، سواء بالهاتف، أو البريد الإلكترونى، لحثهم على المشاركة فى المؤتمرات الثقافية والفعاليات الأدبية التى تنظمها الوزارة أو غيرها من هذه المؤسسات الثقافية الخاصة.
تعكس طوابير معرض الكتاب رغبة حية لدى كل الأطراف أن تلتقى، رغبة حية لدى محبى القراءة والكتابة والأدب والثقافة أن يتوجهوا لمنتجى هذه الثقافة ورغبة هائلة وحية وأكيدة عند منتجى الثقافة فى أن يعثروا على متلقيها، لكن كلا الطرفين لا يلتقى الآخر سوى مرة واحدة فى العام، كيف نعظّم فائدة الطوابير الهائلة للمعرض ونجعل كلا الطرفين يلتقى الآخر أكثر من مرة خلال العام، إنها قاعدة المعلومات، بوسع هيئة الكتاب الاستفادة من الطوابير الهائلة، التى يقف فيها زوار المعرض، أن تجعل موظفيها يجمعون بيانات هؤلاء الزوار خلال وقفتهم بالطابور- أخشى أن يحدث ذلك عند البوابة كى لا نزيد الطين بلة- ثم يتم فيما بعد تصنيف هذه المعلومات الهائلة، وغربلتها وتسمية المنتمين لمناطق معينة بأسمائها، وإرسال هذه المعلومات الهائلة إلى قصور الثقافة، وجعلهم على اتصال بها، ليكون فى الإمكان تفعيل هذه الأنشطة بالقصور، فى الأحياء المختلفة بالقاهرة وغيرها من المحافظات.
تخيل عزيزى قارئ هذه السطور.. إذا تلقيت رسائل متصلة على بريدك الإلكترونى من قصر الثقافة التابع له منطقتك.. أو بمدينتك عن أنشطة القصر، وفعالياته المختلفة، وحفلاته الثقافية، ألن تفكر مرة بعد الأخرى فى حضور إحدى هذه الفعاليات، واصطحاب أسرتك إليها؟ ألن تفكر فى أن تشترك لأبنائك فى مكتبة القصر، وأن تستعير منها الكتب على مدى العام، حتى عقد معرض الكتاب التالى؟
نحن كثيرون جداً، وبإمكاننا أن نفعل أشياء عديدة للمضى قدما فى التنوير، ولكن يجب فى البداية أن نبادر، ونتحرك بخطوات وخطط حقيقية للاستفادة من الطوابير.