يقول الأولون فى مجموعة أمثالهم الشعبية: «الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح»، يستخدمون هذا المثل حينما تحل الأزمات، وتبدو الرغبة فى الهروب من المواجهة هى المشروع الأسهل لرجال لا يهتمون باقتلاع المشاكل من جذورها كخدمة لمستقبل الوطن، بل يبحثون عن خدمة أنفسهم بحلول سريعة وهمية تؤجل أزمة اليوم وتفاقمها بين أيادى أطفال الغد.
هذا النوع البشرى كان حاضرا بقوة فى أرض معرض الكتاب، مرتعشا وخائفا ومفضلا للهروب من المواجهات لصالح تأجيلها وتصديرها إلى جيل قادم، ارتعد السادة المسؤولون من غضب بعض المواطنين وعدم رضاهم على وجود كتب للشيخ يوسف القرضاوى داخل أجنحة معرض الكتاب، جمهور متعصب داخل معرض الكتاب، أرض الفكر والتنوير وحرية التعبير، يرفض وجود كتب لشخص يعادى مصر، على حد قولهم.
محامٍ راغب فى الشهرة وبعض من الإعلاميين هواة ركوب موج المزايدة على الوطنية استغلوا مشاعر المواطنين الغاضبة، وطالبوا بمنع كتب يوسف القرضاوى من المعرض، وبدلا من أن تخوض وزارة الثقافة أو دار النشر صاحبة امتيار هذه الكتب بالمواجهة ورفض فكرة المنع والمصادرة أو حتى التغييب لكتب حصلت على كل الموافقات القانونية والأزهرية على الصدور، قرر الجميع أن يخضع للابتزاز والمزايدة ويسد الباب الذى يأتى منه الريح حتى يستريح.
المنع لم يكن يوما حلا، ما تمنع دخوله من الباب يدخل من الشباك، ومن تغلق الشباك فى وجهه سيدخل لك من أسفل «عقب» الباب، ومن تمنع كتبه فى معرض الكتاب سيجد لكتبه مكانا أكثر انتشارا على مواقع الإنترنت، وتذكر أن منع مبارك الإخوان من الشاشات أو أوهمنا بذلك، ثم اكتشفنا جميعا أنهم دولة قائمة بذاتها داخل الدولة، المنع لم يكن يوما هو الحل، فكل أفكار البغدادى والظواهرى وأسامة بن لادن ممنوعة، ولكنها أكثر انتشارا مما تطبعه أنت من أفكار فى كتب المدارس والجامعات، الحل بين يديك وليس فى قرار المنع، الحل عند وزارة الثقافة والأزهر والإعلام، هذه الجهات التى تسعى دوما لإخفاء عجزها عن إنتاج خطاب فكرى متطور ومستنير خلف شعار المنع هو الحل.
منع الكتب يصنع من مؤلفيها أبطالا، ويضع الكتب نفسها فى قائمة الأكثر مبيعا، ويمنح الأفكار التى تريد منعها تعاطفا يزيد من قابلية انتشارها، وفى مسألة القرضاوى لك أن تعرف أن وجود كتبه المنشورة منذ سنوات بموافقة الأزهر والجهات القانونية فى مصر، واطلاع الشباب على محتواها أمر كفيل بأن يكشف لجموع الناس كيف يكتب القرضاوى وينصح الناس بما لا يفعله هو الآن، هذه الكتب التى منعت من العرض فى معرض الكتاب هى نفسها دليل إدانة يوسف القرضاوى وجماعة الإخوان المسلمين، الكاشف عن انتهازية الجماعة وتلاعبها بالدين لصالح مصالح التنظيم العليا.
نظرة واحد فى كتاب السيرة الذاتية للقرضاوى وحكايته عن مجموعة التفاوض التى شارك من خلالها فى محاولات التهدئة بين الإخوان وعبدالناصر بعد ثورة 23 يوليو، ومع الوضع فى الاعتبار تشابه الظرف السياسى والخلافى بين الإخوان والجيش فى مرحلة ما بعد 23 يوليو 1952 ومرحلة ما بعد 30 يونيو 2013 سيكشف لك أن الرجل الذى كان يعتبر الصلح والتهدئة أمرا فقهيا ودينيا ونصرة للدين والدعوة، وحفاظا على الوطن والدم، هو نفسه الرجل الذى يحرض الآن ضد الجيش والوطن، ويطالب بمزيد من الدم ويصف الطالبين للتهدئة بالخونة.