فى وسط الأحداث السريعة والمتلاحقة نجد أمور وقرارات تستحق التوقف والتأمل والتحليل! صحيح من الصعب انتقاد قرارات الرئيس السيسى فى وسط الأحداث الدامية، ولكن حقيقة قصة خلية الماريوت والإفراج «الترحيلى» عن الصحفى الأسترالى مقارنة بمصريين فى نفس القضية ونفس الملابسات والتهم والحكم أثارت انتباهى وحفيظتى وانزعاجى الشخصى! العدل هو القيمة العليا وتاج كل القيم الإنسانية فى رأيى! بل إن كل القيم الموصوفة بـ«الإنسانية» هى مشتقة من قيمة العدل! أحيانا يكون الخيار صعب بين «المصلحة» من جانب و«إرساء العدل المطلق» من جانب آخر، لم أكن ملما بتفاصيل قضية الماريوت وكنت أقرأ عناوينها فقط وكلنا ضد حقارة قناة الجزيرة، فبالتالى لم يكن الحكم على المتهمين ملفت للنظر! ولكن بعد قرار الإفراج «الترحيلى» عن الأسترالى قررت تتبع التسلسل الزمنى لهذه القضية سياسيا!
ديسمبر 2013: بداية الواقعة بتأجير صحفيين بقناة الجزيرة جناحين بفندق ماريوت واتخاذه كمركز إعلامى، 23 يونيو 2014 أودعت محكمة جنايات الجيزة حيثيات حكمها الصادر فى القضية رقم 1145 لسنة 2014 بالحبس المشدد 7 سنوات لستة، منهم اثنان صحفيان بالجزيرة أحدهما أسترالى والسجن المشدد 10 سنوات لصحفى ثالث بالجزيرة والسجن المشدد 10 سنوات لـ11 متهما هاربا وجزء من حيثيات الحكم هو تزييف الحقيقة من خلال التسجيلات المرئية والمسموعة والتلاعب فيها بهدف إفشال الجهود الوطنية لتحقيق خارطة الطريق ولبث هذه الفتن فى الداخل والخارج. ثم بدأت حملة غربية شرسة على أعلى مستوى من وزير الخارجية البريطانى والأمريكى والأمين العام للأمم المتحدة واستدعت الخارجية الفرنسية السفير المصرى وأصدرت الخارجية الأسترالية بيانا شديد اللهجة يتكلم عن قمع الحرية فى مصر، وكان رد الرئيس السيسى حينها حسب ما هو منشور ونشرته صحيفة الجارديان رفضه لهذه الضغوط، وأن مؤسسة القضاء مؤسسة مستقلة ويجب احترام أحكامها! ثم فى نوفمبر 2014 أصدر الرئيس قرار بقانون رقم 140 لسنة 2014 من مادتين فقط تنص المادة الرئيسية بـ«على أنه يجوز لرئيس الجمهورية بناء على عرض النائب العام وبعد موافقة مجلس الوزراء، الموافقة على تسليم المتهمين ونقل المحكوم عليهم إلى دولهم، وذلك لمحاكمتهم أو تنفيذ العقوبة بحسب ما تقضى الأحوال، متى اقتضت مصلحة الدولة العليا ذلك»، ثم بعد القرار بأسبوع فى لقاء الرئيس مع قناة فرنسا 24 قال إنه يدرس عفوا رئاسيا عن اثنين من ثلاثة صحفيين فى الجزيرة يقضيان عقوبة السجن فى بلاده! ثم بعد ذلك مؤخرا قرار الإفراج «الترحيلى» للأسترالى! لا أدرى أنضحك على أنفسنا؟ ففى بيان شديد اللهجة من الخارجية الأسترالية نددت بالحكم فهل ستحاكمه فى بلده؟ ثم الصحفى المصرى محمد فهمى له جنسية مزدوجة مصرية - كندية وهناك أخبار عن تنازله عن الجنسية المصرية لكى يطير إلى كندا! طيب باقى المصريين فى القضية هل سيكون مصيرهم «طير أنت»؟ ومنهم من لا يعمل بقناة الجزيرة أساسا لكن غلبان بلا صوت! الرأى العام منقسم بين متلخبط ومش فاهم مثلى وبين مؤيد، مرددا أن المتهمين المصريين خونة أما الأسترالى فليس خائنا (هذا وصف سياسى وليس قانونيا)! هل درس مستشارو الرئيس تبعات هذا القرار سياسيا أم كان الهدف هو الخلاص من الصداع الأسترالى! قرارات خطيرة من هذا النوع تحتاج لمعالجة سياسية دقيقة ومختلفة ودراسة أبعادها داخليا وليس خارجيا فقط. هناك من يقول إن «الرئيس فاهم بيعمل إيه مالكمش دخل»! أقول لهؤلاء هذا الزمن ولى بلا رجعة فلنتعلم من التاريخ!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة