بعد أربعين عاما من رحيلها، أطلت أم كلثوم، أول أمس، من معظم شبابيك الإعلام، لتواسى عشاقها الحزانى، دخلت سرادق الحداد حاملة مصر الصداحة التى تغلبت على الحزن والقهر بالغناء، أطلت هذا العام ووطنها الذى تغنت به وله محاصر بأعدائه فى الداخل والخارج، صوتها أرخ لفترات أصعب، تجاوزها العشاق بالعمل والحرب والفن والبناء، حضورها يتجلى فى اللحظات التى تكون فيها بمفردك أو بين أصدقائك، ولكنه يزداد اشتعالا وأنت حزين، هى اختزلت المسيرة العسيرة التى قطعها المصريون منذ ثورة 1919 حتى وفاتها فى منتصف السبعينيات، الفترة التى سعت فيها مصر إلى الاستقلال والحداثة ومحاربة الاستعمار، هى بنت الناس الطيبين الذين اصطف أبناؤهم معا لرسم صورة مضيئة لمصر المعنى والتاريخ.
وقفت إلى جوار القصبجى وداود حسنى والشيخ زكريا ومحمد عبد الوهاب والشيخ رفعت والشيخ مصطفى إسماعيل وبيرم وبديع ورامى ومختار وتوفيق الحكيم وسلامة موسى وطه حسين والعقاد والسنباطى وعلى محمود ونجيب محفوظ وعشرات فى كل المجالات، وقفوا جميعا فى مواجهة التطرف والإرهاب بفنونهم وثقافتهم، كونوا كتائب تعلى من شأن الحياة الرحبة التى ينتظرها المحرومون، أم كلثوم كانت عنوانا للمرأة الجديدة التى خرجت بزيها الحديث الوقور من عبودية الماضى، فى كل مرحلة من مراحلها الغنائية كانت تلتقط النغمة التائهة، مع القصبجى جرب صوتها الطيران بعيدا عن الأرض، مع زكريا اكتشفت طفولتها وغنت بروحه القاهرية المتحررة، مع السنباطى التزمت برصانة المعنى، ومع الشباب فيما بعد كانت فى قلب مصر التى تحررت بالفعل، وتسعى لبلوغ مكانتها، نحتاج إلى صوتها هذا العام ونحن نواصل المعركة.