● تابعت خلال هذه الأيام الماضية مشاهد وطننا الحزين مصر وأوطاننا العربية المجاورة.. وكلما سلمنى مشهد إلى شقيقه الآخر ازددت حزناً وألماً.. وكلما نظرت وتأملت تلك المشاهد ازدادت قناعتى أن الإنسان المصرى عامة والعربى خاصة يحتاج إلى تغيير جذرى فى نفسه وقلبه وروحه أولاً.. ثم فى وطنه ثانياً.
● ظللت أقرأ المشهد تلو الآخر وأترقب مشهداً سعيداً يعقب الكئيب الذى سبقه ولكن دون جدوى.. تأملت المشاهد كلها مجتمعة لعلها تكون لى ولكم صورة متكاملة لحياتنا.. وها هى تلك المشاهد أسوقها إليكم مجردة لنتأملها سوياً ما الذى ينبغى علينا عمله؟! وكيف نغير تلك المشاهد؟! وما الطريق لتكون مشاهد حياتنا أفضل وأحسن وأنصع وأرقى وأتقى؟! وإليكم المشاهد دون رتوش:
● المشهد الأول: تقف شيماء الصباغ الفتاة الإسكندرانية تحمل الورود ضمن مجموعة من الشباب فى وقفة سلمية للاحتفال بذكرى 25 يناير فى شارع طلعت حرب بالقاهرة وإذا برصاصة أو خرطوشة تنهى حياتها بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار أو أدنى مبرر.. وهكذا فارقت الحياة بكل بساطة.
● المشهد الثانى: ثلاثة شباب من الإسكندرية يستقلون سيارة ملاكى فى أحد شوارع المدينة العريقة وفجأة تنفجر العبوة الناسفة البدائية التى كانت بالسيارة إلى جوار الشاب الذى يجلس فى المقعد الخلفى نتيجة اهتزاز السيارة فيقتل على الفور الشاب الذى كان يجلس بجوارها.. ويصاب السائق والشاب الثالث الذى يجلس بجواره إصابات بالغة ويتم القبض عليهما.. ليتبين بعد ذلك أن الثلاثة كانوا ذاهبين لتفجير العبوة فى هدف حكومى ولكن الله سلم.. فهؤلاء الثلاثة أرادوا تفجير وقتل العشرات فقتلوا هم قبل قتل غيرهم.. وهذه الحادثة تكررت فى القاهرة من قبل.. وكأن هؤلاء أخذوا صكاً من الله بجواز قتل أنفسهم وقتل غيرهم.
● المشهد الثالث: بعض الشباب يقوم بحرق عربات الترام الأصفر فى منطقة الحضرة بالإسكندرية فى الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير.. فتلتهم النيران أرخص وأبسط وسيلة مواصلات فى مصر والتى لا يزيد ثمن تذكرتها لكل الخط عن 25 قرشاً.. ويركبه أبسط وأفقر الناس.. ويتكرر المشهد أيضاً فى نفس الترام فى منطقة الورديان بعدها بأيام حيث يقوم شابان ملثمان بسكب البنزين فى عربات الترام ثم إشعال النيران فيه.. ويستطيع الأهالى القبض على أحدهما ويحاول بعضهم إلقاءه فى النار التى أوقدها ولكن بعض الكبار يقنعهم بتسليمه للشرطة ويسلم فعلاً.
● وقبلها بعدة أيام يتم إيقاف قطار سريع لأن بعض الشباب رشه باسبراى بنزين تمهيداً لإشعاله.. ولكن شرطة المواصلات تنبهت للأمر وأوقفت القطار لإزالة آثار البنزين.. ومع تزايد حوادث محاولة تفجير وحرق القطارات أوقفت الهيئة قطارات 7 خطوط فرعية فى الدلتا بدءًا من السادسة مساء ً وحتى السادسة صباحاً.
● ومن المعروف أن هذه الخطوط الصغيرة والفرعية تمر بالقرى والمدن الصغيرة وتنقل أفقر المصريين وأبسط العمال والفلاحين بين هذه المدن والقرى الصغيرة بأقل الأجور.. وبعضهم يركب ولا يدفع على الإطلاق.
● المشهد الرابع: بعد بداية أحداث مباراة الأهلى والزمالك وشلل مصر كلها فى هذه اللحظة استغلت مجموعات من أنصار بيت المقدس تلك اللحظة لتقوم بأكبر مذبحة وتفجير فى مقر الكتيبة 101 وتحاول اقتحام المبانى الشرطية والعسكرية المجاورة وتقصف هذه الأماكن بالهاونات بعد تفجيرها بالسيارات المفخخة لتسقط أكبر عدد من القتلى والجرحى فى تاريخ عملياتها ضد الجيش والشرطة.. وتكرر مأساة رفح الأولى التى استغلت فيها لحظة انشغال الجنود بإفطار المغرب وقتلتهم بدم بارد وأجهزت على جرحاهم فى مأساة مروعة دون اعتبار لقدسية اللحظة وطاعتها ولا قدسية الشهر المعظم.
● لقد قتلوا بعض جنود الجيش المصرى يومها ولقيمات الإفطار فى فمهم وبين أيديهم.. وكأنهم يعاقبونهم على صيامهم وغفلتهم عن الحراسة فى هذه اللحظات الإيمانية الجامعة.
● المشهد الخامس: مذيع فى إحدى قناة «مصر الآن» يخرج عن كل الحدود ويخرق كل ضوابط المهنة وكذلك الدين والحياة فيدعو مباشرة إلى قتل ضباط الشرطة قائلاً: «أنا أقول لكم على الهواء اقتلوا ضباط الشرطة.. وأنا أقول لكل زوجة ضابط زوجك سيقتل سيقتل لو مش بكرة هيبقى بعده» بل ويتمادى بنشر أسماء وتليفونات بعض ضباط الأمن على الشاشة.
● وهو يشابه عندنا مذيع كل يوم يخرج بتقليعة ويدعو جهاراً ونهاراً إلى قتل المتظاهرين فى مناسبات متعددة قائلاً: «لا أريد سجناء أريد عدة آلاف من القتلى».. وكأن الدولة بلا قانون أو مؤسسات.. ويزداد الأمر تعقيداً حينما يقوم بعض السكان المجاورين لمذيع قناة «مصر الآن» بحرق منزله ببنى سويف فى سابقة فريدة على مصر.
● المشهد السادس: فى أول سابقة فى تاريخ الإسلام كله تقوم داعش بحرق الطيار الأردنى «معاذ الكساسبة» الذى أسرته قبل قرابة شهر كامل.. ليسطر التاريخ أول مرة يحرق فيها مسلمون مسلماً.. وأول مرة تقوم فيها دولة تدعى الخلافة والإسلام بحرق أسير حرب مسلم ضاربة بكل الأعراف والقيم النبيلة والأديان عرض الحائط.
● ولا تكتفى بذلك بل تصور عملية الحرق وتذيعها على العالم كله.. ناسية أن الله عاتب نبياً من أنبيائه حرق بعض النمل.
● والغريب أن داعش قتلت المواطن اليابانى الذى خطفته دون أن يكون لليابانيين كشعب وحكومة أى مشاكل مع المسلمين أو الإسلاميين أو الدول العربية والإسلامية لتضيف داعش بجنونها وغبائها إلى جحافل الخصوم خصماً ولطابور الأعداء عدواً جديداً دون أدنى مبرر.
● المشهد السابع: شرطى مصرى يحرس سجيناً مصاباً من الإخوان ويدور النقاش بينهما بعد تفجيرات العريش الأخيرة التى قامت بها أنصار بيت المقدس.. ويبدى الإخوانى فرحاً وسعادة بالحادث وشماتة فى شهداء الجيش قائلاً لأمين الشرطة «فيه خبر حلو» فذكره الأمين أن زملاءه من الشرطة تبرعوا له بالدم لإنقاذ حياته بعد إصابته أثناء محاولته زرع قنبلة أمام قسم الوراق وأنه أخذ 7 أكياس دم لكى يحيا مرة أخرى.
● فرد عليه الإخوانى قائلاً: «دمكم بخس» ثم أردف قائلاً «وكمان دم كبيركم».. مما استثار الأمين الذى لم يملك نفسه وأخرج سلاحه الميرى وقتله به.
● هذه هى أهم المشاهد فى دنيا العرب والمصريين فى 10 أيام فقط.. وكلها تنبئ أن هناك خللاً عميقاً أصاب الشخصية المصرية والعربية والإسلامية.. وأن «فقه القتل» يغلب على فقه «الحياة الصالحة».. و«فقه التكفير» يغلب على «فقه الهداية».. و«فقه التخوين يفوق» فقه العدل مع الخصوم».. و«فقه الموت» فى غير ميدان يفوق «فقه الإحياء».. وأن «فقه الكراهية» يفوق «فقه الحب».. و«فقه الإقصاء» يفوق «فقه التوافق الوطنى».. و«فقه صنع الحرائق فى الإنسان والأوطان» يغلب على «فقه إطفاء الحرائق المادية والمعنوية».. وأن الجميع يريد أن يقوم بدور البنزين والنار وليس دور الإطفاء والماء.. وأن «فقه الحرب» فى غير ميدان ودون طائل يغلب «فقه السلام».. وأن «فقه التنفير» يغلب «فقه التبشير».. و«فقه التعسير» أقوى من «فقه التيسير».
● و«فقه الدماء والأشلاء» أقوى من «فقه الإحياء» وحفظ الأنفس.. وأن «فقه التهديد والوعيد» أقوى من «فقه الرفق والملاطفة».. وأن «فقه الغضب» يفوق «فقه الحلم».. و«فقه الانتقام» يفوق «فقه العفو».
● وأن الجميع فقدوا أكثر عقلهم ومعظم دينهم وأكثر حكمتهم إن كان عندهم حكمة أصلاً.. وأن «فقه الدعاء على الآخر» يغلب «فقه الدعاء له».. وأن «فقه العبثية والعدمية» يفوق «فقه الحكمة والتدرج والأناة».
● وأن «فقه المصالح والمفاسد» انتهى من قاموس القوم جميعاً.. وأن «فقه المآلات والنتائج» أصبح منبوذاً من الجميع.. و«فقه رعاية الموقف السياسى» وإنفاق كل الأموال والجهود لأجله أهم من «فقه رعاية الضعفاء» والموقف من الفقراء والمساكين.. وإعطائهم شيئاً من تلك الجهود الهائلة.. و«فقه الهدم» بات أغلى وأجمل لدى القوم من «فقه البناء».. وأرى أنه لا أمل فى القوم جميعاً حتى تنصلح هذه الصورة المغلوطة.