توقفت لأفكر فى هٰذه العبارة: "يومـًا ما سيمر شريط حياتك أمام عينيك، فحاول أن تجعله يستحق المشاهدة". وتساءلت: أيُدرك كل منا أن ما يمر بنا من مواقف فى الحياة سيعبر أمام أعيننا يومـًا ما، وستقيَّم كل أفعالنا وتصرفاتنا؟ وأجد الأسئلة تتردد: وحينئذ، هل تكون الحياة التى عشناها جديرة بالمشاهدة؟ وهل كان صاحبها جديرًا بها؟
أعتقد أن الحياة الجديرة بالمشاهدة هى حياة حفرت أيامها فى ذاكرة كل من عاصرها أو سمِع عنها. إنها تلك الحياة التى امتلأت بالمحبة للجميع، ولم تعرف الكراهية أو الحقد طريقـًا إلى نبضها. وهٰكذا بمحبتها صارت شعاعـًا يملأ كل مكان فيُزيح عنه ظلمة الصراعات التى تُبدد طاقتها لتضيع من أصحابها دون فائدة، بل على النقيض تُحسب عليهم لا لهم!
أيضـًا الحياة الجديرة بالمشاهدة هى حياة العظماء الذين اختاروا أن يعيشوا ببساطة غير عابئين بمال أو وضع أو مكانة، بل تجدهم مملوئين ودًّا واهتمامـًا بالآخرين وسعيـًا إلى إراحتهم. إنها شخصيات تعلمت أن قيمة الحياة هى فى العطاء؛ فخطّوا بأعمالهم علامات أثرت جدًّا فى كل من عاصرهم؛ أُناس عاشوا حياتهم ببساطة إلا أنها لم تخلُ من عمق حفر بصماته على حياة من دخل فى معاملات معهم. ومن هٰذه الشخصيات التى أجلَّها العالم بأسره كانت "الأم تريزا" التى أوْلت اهتمامـًا مخصوصـًا وعناية فائقة: بالجائعين، والعراة، والمشردين، والعاجزين، والعُميان، والمنبوذين؛ الذين طالما شعَروا بأنهم غير مرغوب فيهم، مفتقدين العناية والمحبة. كيف أنها كانت تحيا ببساطة شديدة، حتى إنها عندما تسلمت جائزة "نوبل" للسلام التى تبلغ مبلغـًا كبيرًا من الدولارات، حرَصت على ارتداء ملابسها البسيطة التى طالما كانت ترتديها فى حياتها اليومية العادية! بل إنها كانت دائمـًا تحمل الآخرين فى فكرها وقلبها وتقدمهم على نفسها؛ فقد طلبت إلغاء عشاء الحفل، والحصول على المال لإطعام 400 طفل فقير طوال عام كامل!!
كذٰلك تمر أيضـًا بخاطرى كلمات مسئولى مستشفى سرطان الأطفال "٥٧٣٥٧" عندما رحلت السيدة "عُلا غبور" التى قدمت فى حياتها أعمالـًا جليلة لمساعدة المرضى والتخفيف عنهم فقالوا عنها: "مِصرية أصيلة هى السيدة "عُلا غبور"، رمز من رموز العمل الخيريّ، ومِصرية أصيلة من نساء مِصر. ظلت تعمل فى صمت حتى رحلت عن عالمنا فى صمت.. إحدى رائدات العمل الخيرى، والأمين العام لمؤسسة مستشفى سرطان الأطفال «٥٧٣٥٧»، وواحدة من النساء اللاتى أقيم هٰذا المستشفى العظيم على أكتافهن"، إنها نموذج لمن يقدم دون تفرقة، ودون حدود؛ وأيضًا ما قدمته فى الخدمات الإنسانية والثقافية مما أهلها لأن تكون هناك جائزة تحمل اسم "جائزة علا غبور" يقدمها المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى "جائزة الثقافة والعلوم والخدمات الإنسانية".
إن الحياة التى نحياها تحمل قيمتها من داخلنا؛ فنُضفى عليها كثيرًا من الجمال أو القبح. فاجعل حياتك تستحق المشاهدة عندما تعبر أمامك لحظاتها لتكون لك المكافأة من عند الله الذى وهبها لك.
*الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسىّ.