من أسف أن السينما لم تلتفت بما يكفى لعبقرية أم كلثوم الغنائية، إذ قدمتها فى ستة أفلام فقط، وكان من الممكن أن نراها فى عدد أكبر، ذلك أن صعود كوكب الشرق تزامن بشكل مدهش مع دخول صناعة السينما إلى مصر وانتشارها، لكن يبدو أن ظروفا عديدة تدخلت لتعرقل نشاط أم كلثوم السينمائى.
لك أن تعرف مثلا أن أول فيلم روائى مصرى هو (فى بلاد توت عنخ آمون) للمخرج الإيطالى فيكتور روسيتو، قد عرض عام 1923 وهو العام نفسه التى هبطت فيه أم كلثوم أرض القاهرة لتغنى وتشدو وتنطلق إلى آفاق كونية، وعندما قرر طلعت حرب تأسيس أول ستديو بأموال مصرية فى عام 1935 وأطلق عليه اسم «استوديو مصر»، افتتح باكورة إنتاجه بأول فيلم لأم كلثوم وهو (وداد) للمخرج الأجنبى فريتز كرامب الذى عرض فى سنة 1936، ومن عجب أن آخر أفلام أم كلثوم (فاطمة) للمخرج أحمد بدرخان قد عرض فى سنة 1947، أى قبل عام من نكبة فلسطين، وبعد عام واحد فقط من عرض آخر أفلام عبد الوهاب (لست ملاكا) للمخرج محمد كريم (28 أكتوبر 1946)!
بنظرة سريعة على الأفلام الستة التى لعبت بطولتها أم كلثوم نكتشف أنها تنقسم إلى جزءين بالتساوى.. فهناك ثلاثة أفلام تدور أحداثها فى أجواء تاريخية فى القاهرة فى زمن المماليك (وداد)، وفى العراق إبان الدولة العباسية (دنانير/ 1940) للمخرج أحمد بدرخان، و(سلامة/ 1945) للمخرج توجو مزراحى.
هذه الأفلام الثلاثة بدت فيها أم كلثوم ممثلة متواضعة، لكنها تتوافق مع نمط التمثيل الشائع فى ذلك الزمن، ومع ذلك فقد ترنمت بمجموعة مدهشة من الأغنيات القصيرة التى مازال بعضها يتردد حتى الآن مثل (غنى لى شوى شوى)، و(عن العشاق سألونى).
أما الأفلام الثلاثة الأخرى فقد دارت وقائعها فى الزمن الحديث، وهى على التوالى: (منيت شبابى/ قصة نشيد الأمل) هكذا يكتب فى مقدمة الفيلم الذى أخرجه أحمد بدرخان وعرض فى مطلع عام 1937.
(عايدة/ 1942) للمخرج أحمد بدرخان هو الفيلم الثانى الحديث وفيه شدت أول أغنية «دويتو» مع المطرب إبراهيم حمودة بطل الفيلم، وهى أغنية (احنا.. احنا.. وحدنا/.. اللى يمشى رأينا.. اللى يمشى حكمنا)، وهى أغنية جميلة سريعة الإيقاع.
يبقى فيلمها الثالث العصرى والأخير وأعنى فيلم (فاطمة)، وقد حقق الفيلم نجاحا لافتا فيما يبدو، خاصة أن أم كلثوم بدت ممثلة معقولة فى هذه الفيلم.
هذه الأفلام الستة تعد مستودعًا لمجموعة مذهلة من أغنيات «الست» القصيرة والسريعة الإيقاع.. هذه «الست» التى لم يخلق مثلها حتى الآن، والتى مرت ذكراها الأربعون دون حفاوة كافية بكل أسف.