كان «ألبرتو» يتأبط ذراعى وهو يسير وسط هذه التموجات البشرية المذهلة المبتهجة، لكنه ترك ذراعى وهو يسير وسط مجموعة, وأخذ يلوح فى مرح وتقافز لذلك الشاب الذى بدا طويلا وربما بطول أربعة أمتار وهو بالطبع ليس طول الشاب، بل ما جعله طويلا هكذا هما ساقان خشبيتان كانتا بمثابة ساقيه، لكنه كان يسير بهما فى توازن عجيب، فيما كان يلف جسده بعلم البرتغال بلونيه الأحمر والأخضر, وهو يلوح به للسماء الصافية والبشر المبتهجين فيما كانت بعض فرق الموسيقى الشعبية تعزف ألحانا من موسيقى شجية على عشرات الجيتارات المنتشرة هنا وهناك وعرفت بعد ذلك أنها موسيقى «الفادو»، كانت ألحان الجيتارات والطبول تدفع المحيطين بها إلى التصفيق والرقص فى نشوة وحماس فيما كانت راقصة شبه عارية إلا من علم البرتغال الذى لفت به ثلث جسدها الأوسط فى المنطقة ما بين أعلى الركبتين وأسفل الصدر الذى تغطى بخصلات من شعرها الأسود الكثيف لم تكن تستطيع أن تخفى نهديها النافرين اللذين كانا يتراقصان على إيقاع الطبول التى كانت تضبط إيقاع الموسيقى فى مهارة «فرقة حسب الله» التى كانت تجوب شوارع «الأنفوشى» خلف العربة الكارو التى كانت تحمل أفيشات الفيلم القادم فى سينما «ألدورادو» فى ميدان «محطة مصر»، ولم يكن كل هذا الكرنفال البرتغالى للاحتفال بفريق كرة القدم ولا الكابتن «يوزيبيو»، لكنى عرفت بعد ذلك سبب هذا الاحتفال الشعبى البهيج.
كان «ألبرتو» يشرب الخمر والنبيذ تحديدا كما يشرب كل خلق الله الماء الساقع فى شهر أغسطس، ولم يكن يعترف بالجلوس فى أى مكان غير سطح السفينة إلا بمقعد فى أى بار، وبالطبع ليس فى أى بار، بل كان دائما يتخير أقرب بار بالقرب من الميناء، وأى ميناء، كان البحر يعنى بالنسبة له سطح السفينة، وكانت الأرض تعنى له البارات، هكذا حدثنى عندما جلسنا على مقعدين متواجهين فى بار «دوس جيميوس» وفهمت من «ألبرتو» أن هذه الكلمة تعنى «التوأمين»، ومن المدهش أنى رأيت التوأمين، كانتا تلبيان طلبات الزبائن من البيرة والنبيذ البرتغالى الذى قال عليه «ألبرتو» يأتى من وادى «دورو» البعيد، فيما كان أبوهما صاحب البار يقف خلف نصبة البار الرخامية الزهرية اللون يجهز لهما الطلبات فتحملانها للزبائن خلف الطاولات التى تملأ المكان فى أناقة، كانت إحداهن ترتدى «مينى جيب» فبدت ساقاها البيضاوان المكتنزتان قليلا كما لو كانتا مضيئتين فى الضوء الخافت، فمن المؤكد أن الضوء الخافت الشفاف الذى ينبعث من أماكن غير مرئية كان ينعكس عليهما، فيما ارتدت التوأم الأخرى بنطلون «جينز» بدا ضيقا على أردافها المكتنزة إلا أنها كانت تتحرك فى رشاقة، كما بدت أكثر تحفظا مع الزبائن، والغريب المدهش فى الأمر أنى لم ألاحظ أية محاولة للتحرش بإحدى التوأمين، بل كانت الابتسامة لا تفارق شفاههما وهما تتبادلان بعض الكلمات المقتضبة بين الحين والآخر، ووضعت التوأم التى ترتدى المينى جيب وهى تبتسم تجاهى زجاجة النبيذ التى طلبها «ألبرتو» منذ قليل، كانت الزجاجة خضراء اللون كما بدا من الجزء العلوى لعنقها، لكن بقية جسدها كان قاتم اللون لأن لون السائل الوردى بداخلها اختلط بلون الزجاج الأخضر فبدا لونها قاتما، كانت الزجاجة أشبه بمستطيل له عنق رفيع وقد كتب عليها «بورتو» وتحت هذه الكلمة كتب بخط أكبر «بارّوس» وتحت هذه الكلمة كتب بخط أصغر وأطول «كولهيتا - 1938»، قبل أن أنهى كأسى الأول كان «ألبرتو» قد شرب كل السائل السحرى من الزجاجة، وطلب زجاجة نبيذ أخرى من التوأم التى كانت ترتدى البنطلون الجينز، وللمذكرات بقية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري بررره
مذكرات سلسه جداااااااااااا
وجه ايزيبيو لايفارق عيوني وانا استرسل عبر كلماتك