تتواصل الاجتهادات منذ رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن وضع جديد للموقف السعودى تجاه سوريا، يقوم على ثبات العداء لنظام بشار الأسد والتصميم على إسقاطه، ولكن وفق تحالفات جديدة، أو بالأدق إحياء تحالفات قديمة.
فى مساء الأربعاء الماضى كان الحديث صريحاً وواضحاً حول ذلك من «خالد خوجة» رئيس ما يسمى بـ«الائتلاف السورى» على قناة «الجزيرة»، حيث قال بوضوح: سياسة السعودية تغيرت تجاه سوريا، وهناك توجه سعودى جديد لتشكيل ائتلاف «سعودى تركى قطرى» لدعم الائتلاف السورى.
وتحدث «خوجة» صراحة عن أن هذا التغيير جاء بعد تمدد الدور الإيرانى فى المنطقة، فهو متواجد فى سوريا ولبنان، وأصبح قوياً فى اليمن من خلال الحوثيين، أى أن أصابع «طهران» تلعب فى «الملعب السعودى» مباشرة، والمعروف أن اليمن خط أحمر بالنسبة للسعودية، ولنعد إلى ما حدث فى ستينيات القرن الماضى، حين احتدم الصراع المصرى السعودى فى اليمن، من خلال تأييد مصر للثورة اليمنية وإرسالها قوات مصرية لمساندتها، فتدخلت السعودية بالمال والسلاح ضدها.
الأمر على هذا النحو ينبئ بتطور جديد فى الترتيبات الإقليمية للمنطقة، يقوم على العمل من أجل تقليم أظافر إيران وكسر كل أذرعها فى المنطقة، غير أن المثير فى تلك التحولات هو وضع مصر فيها، فهل يعنى التقارب السعودى التركى أنه سيكون على حساب مصر؟ وإذا وضعنا فى الاعتبار حدة عداء الرئيس التركى «أردوغان» لمصر، فهل سنرى لذلك تأثيراً سلبياً على العلاقة المصرية السعودية؟ وكيف ستكون معادلة جماعة الإخوان فى ظل هذه التحولات؟
واللافت فى هذا الأمر هو الموقف القطرى الذى ينعكس على ما تفعله قناة «الجزيرة» نحو مصر، فبعد أيام قليلة من التهدئة والحديث عن تحولات متوقعة فى العلاقات المصرية القطرية، وذلك عبر وساطة سعودية قادها العاهل الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عادت «الجزيرة» إلى سابق عهدها، وهو ما ينعش التنبؤات الخاصة بأن أى ترتيبات جديدة بتحولات من نوع ما فى العلاقة المصرية القطرية تدخل فى سياق الترتيبات الإقليمية المتوقعة، وفى القلب منها يأتى الموقف من سوريا، وإذا كانت السعودية تعطى الأولوية الآن لإسقاط نظام بشار الأسد عبر تحالفها مع قطر وتركيا، فهل ستمضى إلى هدفها بإغماض عينيها أمام مواقف «الدوحة» و«أنقرة» نحو القاهرة.
إذا كانت اللعبة تمضى على هذا النحو، سنكون أمام تحول ليس فيه اهتمام لاعتبارات الأمن القومى المصرى عبر بوابته الشرقية مع الشام، كما يبقى الخوف من أن تمضى هذه اللعبة بمبدأ «اللعب بالنار»، الذى يعنى تخفيض سقف مقاومة التنظيمات الإرهابية التكفيرية لصالح تعظيم مقاومة نظام بشار وكل من له رائحة إيرانية، مما قد يؤدى إلى تأجيج الصراع المذهبى الدينى، والعودة إلى حشر المنطقة فى حروب الشيعة والسنة، فهذا هو المناخ الطبيعى الذى يلتهم أمامه أى دعاوى قومية تسعى إلى حل الأزمة السورية على أسس وطنية وغير مذهبية.
علينا فى هذا السيناريو الذى ندعو إلى مقاومته وإفساده، أن نستيقظ إلى خطره على مصر، فهو يعطى مدداً ولو بطيئاً للتنظيمات التكفيرية التى تريد مصر قبل أى بلد آخر.