بغض النظر عن السلبيات الكثيرة التى شابت معرض الكتاب هذا العام، وهى سلبيات يتناولها شباب المبدعين فى مواقع التواصل الاجتماعى بحدة، وبغض النظر عن الفوضى التى صاحبت تنظيم الندوات وقد شاهدتها غير مرة، أقول بغض النظر عن هذه وتلك.. فإن الإقبال الشديد على المعرض يؤكد أمرين: الأول أن المصريين قرروا مقاومة الإرهاب بعشق الحياة، فلم يخشوا القنابل التى يزرعها الإرهابيون بكل خسة لتنفجر فجأة فى أى مكان، والأمر الثانى هو أن الناس شعروا برغبة جارفة فى ضرورة البحث والقراءة والاستزادة من المعارف ليفهموا حاضرهم ويستشرفوا مستقبلهم.
أبرز ما فى المعرض هذا العام هو إقدام دور النشر على إصدار روايات بشكل كثيف، وبعض هذه الدور خصصت %90 من إصداراتها للرواية، الأمر الذى يشير إلى أن هذا الفن أصبح له جمهور عريض اكتشف أن الرواية تلبى أشواقه للمعرفة والمتعة، فالرواية تعد انعكاسًا للعصر وثقافته وصراعاته.. إنها السينما المكتوبة إذا جاز القول.
لكن المعرض يطرح أيضا سؤالا بالغ الأهمية فيما يختص بظاهرة الأكثر مبيعًا «بيست سيللر»، ذلك أننا رأينا روايات مكتوبا على أغلفتها الطبعة الثلاثون أو الأربعون! وهو رقم ضخم يغرى أى قارئ باقتناء الرواية فورًا، وعندما يشرع فى الاطلاع عليها يكتشف أنها رواية متواضعة القيمة، فكيف نفسر هذه الظاهرة؟
إنه الإلحاح.. والإلحاح الدائم.. فأنت تستطيع أن تروج لأى بضاعة بالإلحاح، حتى لو كانت كتابًا، وأظنك تذكر أغنية «لولاكى» التى استعمرت أذان المصريين فى عام 1988 على ما أذكر، ثم سقطت فى غياهب النسيان بعد أقل من عام، إذ اكتشف المصريون أنها لم تعد تلبى حاجاتهم إلى الفن الجميل!
الأمر نفسه يقال فى دنيا الروايات، فهل تذكر محمد عبد الحليم عبد الله؟ هذا الروائى الذى كانت السينما تطارد أعماله فى نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات وتشتريها بسبعة آلاف جنيه للرواية، بينما سعر أى رواية لنجيب محفوظ لا يتجاوز ألف جنيه كما قال لى المرحوم الأستاذ رجاء النقاش، فانظر مصير إبداعات الرجلين!
حقا.. ما ينفع الناس هو الذى يمكث فى الأرض!