كل الطرق تقود إلى حرب أهلية ستقع فى اليمن إذا لم تحدث معجزة، وكان عصر أمس الأول، الجمعة، هو الخطوة التى تهيئ المسرح لشكل المستقبل الغامض ليس لليمن فقط، إنما للتوازن الإقليمى للمنطقة كلها، ومصر ليست بعيدة عن ذلك.
أحكمت جماعة «أنصار الله» الحوثيين قبضتها عصر الجمعة بإصدارها إعلانًا دستوريًا ينظم مرحلة انتقالية جديدة، مدتها عامان، ويشمل الإعلان الذى تم إعلانه من القصر الرئاسى فى صنعاء تشكيل حكومة انتقالية من الكفاءات الوطنية، وأن يتولى الرئاسة مجلس انتقالى مكون من 5 شخصيات، يختارهم مجلس وطنى مكون من 551 عضوًا، ويحل هذا المجلس محل البرلمان.
ليس هناك الآن ما يؤكد أن هذا التحول سيصمد ويجد سنده الشعبى، وجاء رد الفعل من «الحراك الجنوبى» فى عدن، برفضه ما حدث، وأن هذا الإعلان لا يمثل الجنوب، وأنهم لن يسمحوا للحوثيين بالسيطرة على المدن الجنوبية.
الوضع على هذا النحو ينقل إيران من مرحلة الوجود النشط فى اليمن عبر الحوثيين إلى مرحلة السيطرة، وتلك مسألة- وكما تحدثت عنها فى مقالى أمس- لن تصمت السعودية بأى حال من الأحوال، فوصول طهران إلى القصر الرئاسى فى صنعاء، يعنى تراجع الرياض إلى الوراء، وهذا هو الموت بعينه للنفوذ الإقليمى للسعودية، وهزيمة ساحقة لن تسلم بها المملكة على أى نحو، غير أن ذلك يقود إلى تصورات مخيفة فى المستقبل، تتأسس على معرفة القوى الفاعلة على الساحة اليمنية.
فى المشهد يطل اسم الرئيس المعزول على عبدالله صالح كقوة سرية حليفة للحوثيين، وإذا صح هذا الكلام، فإلى أى مدى ستتركه السعودية يمضى فى هذا المسار، ولو كان هذا تحالفًا وقتيًا، فمن سيترك الآخر من الطرفين للسيطرة على الأوضاع؟، وتلك مسألة مرشحة للانفجار بقوة السلاح.
من المعروف أن تنظيم «القاعدة» موجود بقوة فى اليمن، ويكاد يسيطر على مناطق بعينها، وشهدت الفترة الماضية اشتباكات بينه وبين الحوثيين، فكيف سيكون الوضع بينهما مستقبلًا؟، وهل ستلجأ دوائر مخابراتية إلى توظيف «القاعدة» على أرض اليمن بهدف إسقاط المخطط الإيرانى؟، وقد يرى البعض أن طرح هذا التصور هو نوع من العبث، بعد أن اكتوت الأنظمة التى وظفت «القاعدة» من قبل بنيرانها، غير أنه، وعلى أقل تقدير، فإن مجرد غض الطرف عن وجود ونشاط «القاعدة» هو فى حد ذاته توظيف للتنظيم الذى يرى مقاومة الشيعة ممثلين فى الحوثيين، هو بمثابة «رسالة إلهية» مقدسة.
فى المشهد أيضًا تقف جماعة الإخوان بعدائها للحوثيين، وهى قوة تقليدية فى توظيف السعودية لها، وفيه اقوى سياسية فى جنوب اليمن تسعى إلى إعادة التقسيم، والعودة إلى «اليمن الشمالى» و«اليمن الجنوبى».
وفى حدود كل هذه التقسيمات، ومع احتماء الجميع بقوة السلاح، فإنه يمكن القول إن الساحة اليمنية تتهيأ الآن للانفجار، لتصبح سوريا أخرى، وعراق آخر، وليبيا أخرى، وبكل تأكيد فإن مصر ليست بعيدة عن هذا الخطر.