الطبيعى أن تكون المشاركة السياسية هى الأصل، والاستثناء هو الانسحاب، لكن أن تكون القاعدة هى المقاطعة، فنحن أمام حالة مستعصية من الاعتراض السياسى اللانهائى ومرض يحتاج لعلاج، فالمواطن الناخب الشعبى العادى، لا يعرف أن لدينا ما يقارب 100 حزب، وهو معذور لأنه يستحيل عليه، فى ظل انشغاله بالحياة وأكل العيش والتوك شو، أن يعد من واحد لعشرة أحزاب، ناهيك عن برامجها وتركيبتها وتصنيفها إلى يسار ويمين ووسط، ومدنى ودينى وليبرالى أو تخصصى، ومن المدهش، فى بلد يمر بمرحلة انتقالية يكون لديه كل هذه الأحزاب التى يعجز كل منها عن جمع مائة عضو، وغالبا يكون النشاط فى القاهرة، يتركز على الندوات والبيانات وبرامج التوك شو.
هذه الأحزاب من شهور وهى تعلن مخاوف واعتراضات، وتحذر مع عودة الحزب الوطنى أو تسرب الإخوان، ولم تتوقف هذه الأحزاب عن إبداء الخوف، ولم تبذل أى جهد لمواجهة هذه المخاوف، بأن تنزل الأحزاب للشارع أو الأقاليم، وتقدم وتعرف نفسها للمواطن، وقد أثبتت التجارب أن الشارع متفاعل ومتجاوب أكثر من الأحزاب، لأن الناس نزلت فى كل انتخابات واستفتاءات، وكانت قادرة على الفرز، بينما أحبطتها الأحزاب والنشطاء الذين فى كل مرة أعلنوا المقاطعة وابتعدوا عن الانتخابات.
وبالنسبة للأحزاب والتحالفات التى أعلنت المقاطعة مثل التحالف الشعبى أو حزب الدستور، التحالف لم يكن معروفا بشكل واسع، أما الدستور فهو حزب حديث ربما يكون فى حاجة لأن يعرفه الناس أكثر، وما هو ظاهر منه حتى الآن مجرد ردود أفعال واعتراضات، لكن يصعب قول إن هناك مواطنين يعرفون برامجه أو أهدافه، جزء من تبرير الانسحاب لدى هذه الأحزاب هو زيادة الفردى عن القوائم، بينما هذه الأحزاب ومعها أحزاب وتيارات أخرى عجزت عن التنسيق فى المواقف داخليا أو مع أحزاب أخرى، وهو ما يجعل حالها مع الفردى ليس مختلفا عن القوائم.
النتيجة أن الناس لا تعرف هذه الأحزاب، ولم ترها أو تتعرف عليها، وبالتالى فإن انسحابها يضر بها وليس بالانتخابات، وربما كان على هؤلاء المنسحبين أن يدرسوا تجارب المقاطعة السابقة للأحزاب قبل يناير، وبالرغم من سيطرة الحزب الوطنى كانت المشاركة تعرف الناس بالأحزاب، كما أنها كانت تفضح التزوير، ولا يكفى أن تظل هذه الأحزاب تحذر من عودة الحزب الوطنى والفلول، بينما تقدم كل ما يساعد هؤلاء فى العودة، ومع كل الاعتراضات والتحفظات، فإن المقاطعة غير مدروسة ولا تفيد، وشرها أكثر من نفعها، فلا أحد يعرف الأحزاب ومع هذا ماشافوهمش وهم أحزاب شافوهم وقت الانسحاب.