تفجر زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لمصر اليوم أجواء الحنين للأدب الروسى العظيم الذى ظهر فى القرن التاسع عشر، إذ يمكن القول بيقين كبير إن الأدب العالمى مدين لإبداعات كبار الأدباء الروس من أمثال جوجول ودوستوفيسكى وتولستوى وتشيكوف وغيرهم، وكل هؤلاء ظهروا كالكواكب المضيئة فى فضاء الإبداع الإنسانى فى حقبة صغيرة بمقاييس عمر الدول والشعوب.
يتعجب المرء عندما يكتشف أن هؤلاء العباقرة أنتجوا رواياتهم وأشعارهم فى ظل حكم القياصرة، وهو حكم عرف عنه البطش والاستبداد، فكيف يمكن للإبداع أن يتوهج فى ظل ديكتاتورية غليظة وخلل اجتماعى رهيب بشأن توزيع الثروة، إذ كان من المعروف أن الغالبية العظمى من الروس تكابد الفقر الشديد؟
المثير للدهشة أيضا أن الثورة الروسية التى قادها لينين عام 1917 بهدف إقامة مجتمع اشتراكى أكثر عدلا وحرية.. وقد حقق الروس نجاحات مدهشة على مستوى التقدم الصناعى والعسكرى والعلمى فى ظل حكم ستالين حتى صارت الدولة الثانية فى العالم من حيث القوة العسكرية.. أقول رغم ذلك التقدم فإن الروس بعد ثورتهم الشهيرة هذه لم يقدموا للبشرية إبداعًا بروعة ما تركه أسلافهم الذين ذاقوا مرارات حكم القياصرة!
هنا تُطرح عدة أسئلة صعبة.. ما طبيعة علاقة الأدب بالمجتمع؟ وهل لا يزدهر الأدب إلا فى ظل الجوع والحرمان والاستبداد؟ أم أن الأمر مرهون بالصدفة التاريخية السعيدة التى تجعل المقادير تمنح بلدًا ما مجموعة من العباقرة فى وقت متقارب بغض النظر عن مستوى تقدم البلد أو تخلفه؟ والأنكى من ذلك.. كيف نفسر تراجع مستوى الإبداع الروسى فى ظل حكم ستالين الذى أحدث طفرة فى التقدم مثلما شهد تضييقا للحريات السياسية؟
إن تاريخ الأدب الروسى الحديث يفتح الباب واسعًا لمناقشة جادة ومفيدة حول الإبداع ودوره وعلاقته بالمجتمع والناس، ويجعلنا نفتش فى تاريخنا الحديث لنعيد قراءة نهصتنا فى الفترة من عشرينيات القرن الماضى حتى نهاية الستينيات، وهى أزهى فترة مصرية على مستوى الإبداع فى المجالات كافة، ثم حدث الانهيار المريع حتى وصلنا إلى هذا البؤس!
بوتين فى مصر.. فلنتذكر الأدب الروسى العظيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة