حين يتحول الإنسان إلى وحش كاسر يلغ فى الدماء ويلعب بالجماجم ويتصور أنه قادر على أن يحيى ويميت ويحرق بالنار ويعذب بها، ولا يعذب بها إلا خالقها سبحانه وتعالى، هنا يكون الإرهابى المغرور كالنمروذ الذى ظن أنه يستطيع أن يحيى الناس ويميتها بما يملكه من سلطان، فقال لإبراهيم، عليه السلام، وهو ينازعه «أنا أحى وأميت، فرد عليه إبراهيم أبو الأنبياء «إن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر».
شعور الغر التافه أنه يملك القوة الظاهرية التى تجعله يتحكم فى مصائر الله فيسجن ويميت ويحيى جعلته يذهب فى غروره الشيطانى المقيت إلى أن يحرق الطيار الأردنى المسلم معاذ الكساسبة بالنار حيا فى مشهد بشع يعد وصمة عار فى جبين من فعله.
وفى نفس الأسبوع يطل علينا ذلك الإرهاب البائس فى سيناء ليضرب على حين غرة الجيش وأبناء المصريين المسلمين فى الجيش والشرطة ليقتلوا دفعة واحدة ثلاثين، وهى كارثة بكل المقاييس، إنه البؤس والتعاسة التى تصور لممارس الفعل الإرهابى أنه كلما كان وحشيا وأكثر إدارة للتوحش وتعبيرا بل وتجسيدا،كان ذلك هدفا من أهدافه التى تقوم على الترويع والتخويف وهز الثقة فى الحياة والوجود، وهكذا يدخل الإرهاب والإرهابى فى دورة جنون وحشية مقيتة تخرجه من إنسانيته وتحضره إلى حالة ما قبل العقد الاجتماعى وما قبل المجتمع الإنسانى القائم على التفاوض والأخذ فى الاعتبار حقوق الآخرين.
حين أنظر إلى مشاهد مقاتلى داعش فى العراق وسوريا فأنا أقول إن هذا هو المشهد الختامى لتطور تلك الفيروسات الخطيرة المهددة للوجود الإنسانى، بحيث لا يمكننى أن أتصور مزيدا من تحور تلك الفيروسات وتكيفها لتهديد الإنسان والحضارة والوجود كله، إنه يبدو لى مشهد ما قبل القيامة، إنه المشهد الختامى فى تقديرى الذى سيبلغ التوحش مع الفاعل الإرهابى أقصى مداه بحيث يفقد هذا التوحش معناه وقيمته ونكون بإزاء حالة ختام لهذا العبث الذى لا يمكن للحياة أن تمضى مع بقائه.
هذا لا يعنى أننا أمام إرهاب سينتهى غدا، لا بل هو إرهاب خطير وجديد ووحشى ومعولم وأممى حاشد وجامع من كل القارات والبقاع والأشكال والألوان، وجاء ليستقر فى بلداننا التى عنوانها التعايش والتسامح وليسرق منا عنوان الإسلام ليعطى وحشيته معنى، فلا أوطاننا المتسامحة ستقبله ولا ديننا له علاقة بإجرامه، لأن الإسلام هو الذى علم الأمم كلها أن حقوق الآخرين مصانة ومحفوظة ومقررة فى الفقه والقانون الإسلامى، وأن الحروب فى الإسلام لها أخلاق، وأن السيوف والقوة تنصاع للحق وتحترم الشريعة والأخلاق، الإسلام حضارة وتحضر ودعوة انتشرت فى جوانب العالم بلا قهر ولا سيف ولا إكراه، ومن يقرأ كتاب « الدعوة للإسلام» للمستشرق الإنجليزى السير توماس أرنولد يعرف كيف أن الناس أقبلت على الإسلام لسماحته واحترامه لحقوق الإنسان وحقوق أهالى البلدان المفتوحة.
الإرهاب التعيس كالإلحاد اليائس ليس لديه أطروحة تأسيسية أى أنه لا يبشرنا بشىء موعود بديلا عما هو قائم، وإنما هو فقط يريد أن يخرب ويهدم ويزيل وينسف ما هو قائم من أجل نزعة عدمية قلقة وقاتلة تحاصر أنفس الإرهابيين، ومن أجل ذلك فهم يعبرون عن حالة فوضوية إجرامية أكثر من أى شىء آخر، الإرهاب لا علاقة له بالإسلام وإن تستر به، ولا علاقة له بأوطاننا وإن ادعى الدفاع عنها، ولا علاقة له بشريعتنا وإن زعم أنه ينتسب إليها ولا علاقة له بالخلافة وإن خاتل بأنه يريد أن يعيد الخلافة لأمتنا، هذا إرهاب بائس مهدد وتعيس ومخيف ومرعب ومتوحش، ولكنه يفقد المستقبل.