قرعة توزيع أراضى الإسكان والشقق بدأت قبل سنوات كآلية محترمة ومنطقية لضمان العدالة بين المصريين، لكنها بعد سنوات وعلى يد وزير الإسكان والتعمير الحالى تحولت إلى آلية للتمييز بين المواطنين، فقد ارتفعت أسعار الشقق والأراضى بطريقة جزافية، ووصل سعر المتر فى الشقق إلى أسعار تتجاوز الأسعار التى يبيع بها القطاع الخاص فى بعض المناطق. فى بداية نظام القرعة كان المقدم بسيطا، من 10 إلى 15 ألف جنيه، مما كان يشجع قطاعات واسعة من المواطنين على دخول القرعة، لكن الحكومة اكتشفت أن بعض الفائزين بشقق القرعة أو الأراضى يبيعونها ولا يستفيدون منها، وبالتالى وضع العقل البيروقراطى شروطا وقيودا قانونية مقبولة منها حظر نقل الملكية للغير إلا بعد الانتهاء من استفتاء شروطا معينة، لكن القيود المالية لم تكن مقبولة لأنها غير عادلة، حيث رفع مقدمات حجز الأراضى إلى ربع مليون جنيه فى التجمعات والعبور وأكتوبر وزايد، تحت دعوى منع الاتجار والمضاربة وقصر القرعة على الجادين الذين ينوون الإقامة والسكن، طبعا هذه دعوة حق يراد بها باطل لأن الربع مليون فى بعض المناطق أو 100 ألف فى مناطق أخرى يعنى عمليا حرمان قطاعات واسعة من المصريين من التقدم للقرعة.
أكثر من هذا اشترط وزير الإسكان الحالى على الفائزين بالقرعة تسديد أقساط الأراضى على سنتين والبناء خلال عام واحد «لا تطبق هذه الشروط على المقيمين بالخارج»، وهى شروط صعبة بالنسبة لمتوسطى الحال الذين فازوا بقطعة أرض، وبالتالى فإن أغلبية الفائزين كما جاء فى بعض التحقيقات الصحفية لن يتمكنوا من الوفاء بشروط الوزارة وسيضطروا لبيع الأراضى بتوكيلات لشركات السمسرة والمقاولات، وربما يحصلون على ربح بسيط. وهنا تثار أسئلة كثيرة مثل: هل يحق لهم هذا الربح؟ وهل هو حلال أم حرام؟ وهل الشروط الصعبة التى فرضتها الوزارة حلت المشكلة أم زادتها تعقيدا؟ وهل الوزارة تحقق العدالة الاجتماعية أم أنها منحازة للأغنياء، وعلينا هنا أن نتذكر كيف أن حكومات مبارك باعت مئات الألوف من الأفدنة على الأثرياء بأسعار رمزية، وبأقساط مريحة، وحتى اليوم لم تتحرك الوزارة أو وزارة الإسكان لاستعادة تلك الأراضى أو إعادة تثمينها.
أظن أن العدالة تلزم وزارة الإسكان بخفض مقدمات دخول القرعة فى المرات القادمة، لأن امتلاك شقة أو قطعة أرض هو حق لكل مواطن، وبالتالى لابد من إتاحة الفرصة أمام أوسع قطاع ممكن من المصريين، وخفض المقدمات المطلوبة للقرعة، ولا داعى لقصرها على أقلية ميسورة من أصحاب الملايين، أيضا مطلوب الالتزام بالمساواة بين المواطنين، ومعاملة الذين فازوا فى القرعة الأخيرة بنفس القواعد التى كانت تطبق على المواطنين قبل سنتين فقط، حيث كانت أقساط الشقق والأراضى على خمس سنوات وأكثر.. وكانت شروط البناء أكثر تسامحا، ولنفترض سيادة الوزير أننا عدنا إلى زمن المقدمات البسيطة فى قرعة الشقق والأراضى.. ولنفترض أيضا أن أسرة بسيطة ادخرت 15 ألف جنيه وتقدمت للقرعة وفازت.. ثم قامت ببيع هذه القطعة بسعر كبير، أعتقد أن هذا من حقها تماما، كما أنه شكل من أشكال العدالة الاجتماعية، خاصة أن أى شخص يفوز بشقة أو قطعة أرض لا يحق له أو لزوجته وأولاده القصر التقدم للقرعة مرة ثانية، ما يعنى أن هذه الأسرة ربحت مبلغا من المال مقابل تنازلها عن حقها فى الحصول على شقة أو أرض من الدولة، أتصور أن سلوك هذه الأسرة البسيطة يحقق جزئيا نوعا من العدالة الاجتماعية ويشرك الفقراء والبسطاء فى كعكة أراضى البناء وشقق الإسكان التى يحاول الوزير أن يقصرها على الأغنياء فقط.