تمت إحالتهما للنيابة، وجار التحقيق معهما.. هذا ما حدث مع الضابطين المتهمين بتعذيب محامى المطرية حتى الموت، وهذا الكلام بالطبع جميل، يمنح المؤمنين بقوة الرأى العام نشوة الانتصار، والقدرة على إخضاع وزارة الداخلية، وإجبارها على تقديم ضباطها للمحاكمة، وبالتالى إعلان خسارة الجناح الشعبى والسياسى والرسمى الذى كان يريد تمرير عملية التعذيب والقتل دون حساب تحت مظلة شعار «نحن نحارب الإرهاب».
أنا هنا لا أريد أن أحقق فيما إذا كان محامى المطرية إرهابيًا أم لا، أو مخطئًا أم لا، ولا أريد أن أسقط فى فخ الاعتقاد المتشائم بأن التحقيقات التى تمت مع الضابطين المتهمين بالتعذيب، ومع الضابط الآخر المتهم بقتل شيماء هدفها كسب الوقت، وامتصاص غضب الشارع، أنا أريد فقط أن أسأل عن مرحلة ما بعد التحقيقات والإدانة، أريد أن أطمئن على أن مصير السادة الضباط لن يكون مجرد لوم، أو سنوات سجن قليلة لا تتناسب مع حجم الجرم المرتكب، أو قرار حظر يمنعنا من معرفة تفاصيل التحقيقات، أو عقوبة إدارية تخلق للضابط المتهم بابًا خلفيًا للعودة دون أن يشعر أحد، مثلما حدث من قبل فى أشهر قضية تعذيب مصرية على الإطلاق، تخيل المصريون أن المتهم فيها سيتلاشى من الحياة بعد إدانته بحكم محكمة، فإذا به يعود إلى ممارسة عمله، كأن شيئًا لم يكن.
هل أتاكم نبأ إسلام نبيه، الضابط الذى أثبتت المحكمة إجرامه فى تعذيب عماد الكبير؟، بكل سلاسة وسهولة وليونة خرج إسلام نبيه من السجن بعد قضاء ثلاثة أرباع المدة، كأنه كان متهمًا فى قضية سرقة علبة مناديل، أو سير عكس الاتجاه، وكأن جريمة انتهاك عرض رجل وتعذيبه لا تستحق مضاعفة السنوات الثلاث التى حكم بها القاضى لتنقية المجتمع من أمثاله. من المؤكد أن إسلام نبيه لم يشعر بطعم السجن الحقيقى، لأنه ليس من الغلابة الذين كان تُرسم خطوط التعذيب على جلودهم لمجرد الاشتباه فى سرقة أحدهم حبل غسيل، ومن المؤكد أن السيد «نبيه» قضى ثلاثة أرباع مدته يحكى بثقة لزملائه فى السجن عن غزوته الشهيرة لفتحة شرج عماد الكبير، وعن حلاوة مشاهدة تأوهات الرجال حينما تنتهك أعراضهم، من المؤكد أنه أخبرهم باستحقاقه وسام العصاية الذهبية تقديرًا لتفانيه فى خدمة وزارة الداخلية، لهذا يبدو أمر حظر النشر فى قضية تعذيب محامى المطرية، وقضية مقتل شيماء الصباغ مربكًا ومقلقًا وغير مرحب به لدى جموع ناس تبحث عن الشفافية، ومايشفى صدورها من الغضب.
الأنباء الواردة عن عودة إسلام نبيه للعمل بعد خروجه من السجن تبرر أيضًا نظراته الواثقة قبل دخول السجن، ورغم أن الداخلية نفت ذلك وأكدت أن إسلام نبيه مازال موقوفًا عن العمل، يعنى مهما طال زمن وقفه سيعود.. سيعود!
ألا يخاف المسؤولون فى وزارة الداخلية على سمعة وزارتهم من أصحاب سوابق التعذيب؟.. قيادات وزارة الداخلية فى حاجة إلى إصدار بيان صريح وواضح تؤكد من خلاله أن الوزارة ليست مأوى لأصحاب سوابق التعذيب، وانتهاك حرمات المواطنين دون احترام القانون، خاصة أن خطأ الباشا إسلام، ومن بعده السادة المخبرين الذين عذبوا خالد سعيد، والسيد الأمين الذى عذب موظف المطرية، ثم السادة الضباط الذين عذبوا محامى المطرية لم يكن إداريًا أو تم بغير قصد وتعمد.