يعود فتحى عفيفى إلى عالمه القديم هذه المرة فى معرضه الذى افتتح أمس بجاليرى مصر بالزمالك، عالم المصنع والحارة، حيث ترتجل عفويته الخطوط وترسم عالما شجيا، يمتلك عفيفى موهبة ضخمة تربت بعيدا عن التصورات الجاهزة عن الرسم، ينحاز لما يعرف، منحاز للجدران الطرية فى الأزقة، وللأبواب العالية والملامح المسالمة، مؤمن بثورة يوليو والصناعة الوطنية والعدالة الاجتماعية، يرسم البسطاء والغرباء والأطفال الفرحانين والحزانى، يضبط العمال الذين عمل معهم طوال عمره متلبسين بالحياة فى الذهاب والمجىء، لا توجد عنده ادعاءات ولا أراء براقة، يكون فى أفضل حالاته وهو يرسم عالمه، عامل بسيط تحول إلى فنان كبير تزين لوحاته جدران بيوت عشاق الفن الجميل، فى معرضه الجديد عاد إلى عوالم الأبيض والأسود، حيث تتجلى مهارته كصياد محترف للمشاعر الغائمة.
قبل أكثر من ربع قرن نبهنا الفنان الكبير الراحل وليم إسحق إلى أهمية فتحى عفيفى، وطالبه أن يتوقف عن الكلام ويرسم فقط، ومن يومها أتابع أعماله بفرح حقيقى، لأننى أمام مصر المبدعة المباغتة المدهشة، الطفل الذى يمرح فى لوحاته أنقذه من حسابات المكسب والخسارة، ودفعه إلى مقدمة المشهد التشكيلى فى مصر، هو غزير الإنتاج، جرب فى مناطق عديدة، ولكنه عاد هذه المرة إلى الأرض بحيل طفولية أخرى، تخلص من كوابيس المرحلة الانتقالية، واستدعى عماله وحارته فى معركته مع الفن، تشعر بحركة التروس وتشم عرق الشقيانين، لا يرسم على أرضية أيدلوجية، هو يشير إلى شىء عميق داخل الشخصية المصرية بدون ادعاء أو دعائية، أحب لوحاته وأضعها فى بيتى، وأحب صاحبها ومشاعره الجميلة.