نشوى رجائى السماك تكتب: بنت الشمس

الأربعاء، 11 مارس 2015 06:08 م
نشوى رجائى السماك تكتب: بنت الشمس صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كعادته فى مثل هذا اليوم من كل أسبوع وقبيل غروب الشمس، كان "البحر" ينتظر صديقه الذى عوَّده على لقاء خاص يستمتع كل منهما فيه بحديثه مع الآخر.

- كنت أؤمن أنى أعرفها تماما.. أفهمهما جيدا.. كم غصت فى أغوار نفسها.. استخرجت من داخلها لآلئ لم تكن هى تعلم بوجودها قبل أن أكتشفها.

هكذا بدأ "علاء" حواره مع "البحر" الذى كان يستمع إليه منصتًا.. استطرد علاء قائلا:
- عرفتها كما لم تعرف نفسها. هل كنت مخطئا حين آمنت أنى أفهمها تماما كما أفهم نفسى...هل أخطأت حين اعتقدت أنها قادرة على أن تفهمنى تماما؟!
ابتسم "البحر" ثم قال ساخرا:
وهل حقا أنت تفهم نفسك تماما؟!

تعجب "علاء" من طرح صديقه لهذا السؤال وخاصة مع هذه الابتسامة الساخرة، فرد بابتسامة هو الآخر:
- عشت مع نفسى فوق الثلاثين عاما.. فهل تظن أنى لم أفهمها بعد!

ثم استطرد بوجه أكثر جدية قائلا:
- أنا لا أتجمل أمام مرآة نفسى.. لا أكذب عليها.. دائما أواجه نفسى بعيوبى و أخطائى... وأعلم أيضا مواطن قوتى و تألقى... فكيف يكون غريبا أن أقول إننى أفهم نفسى تماما؟!

ابتسم "البحر" مرة ثانية ولكن هذه المرة دون أى سخرية قائلا:
يا صديقى العزيز.. عشت آلاف السنين وإلى الآن لم أجرؤ أن أخدع نفسى بأنى قد فهمت كل شىء عن ذاتى... مازالت أندهش حينما أتأمل غضبى وهدوئى.... أتعجب كثيرا وأنا أشاهد أمواجى تخضع مستسلمة لمزاج القمر مدا تارة وجزرا تارة أخرى بينما أنا وكما تعلم أفيض عزة وكبرياء.... أنظر إلى نفسى متسائلا كيف وأنا الذى استودعه العاشقون أسرارهم ونجوى قلوبهم، أكون فى كثير من الأحيان من يبتلع سفنهم ويكتب سطور الفراق فى قصصهم.

صمت "البحر" لبرهة ثم قال: دعنا الآن نلتحق بمراسم توديع الشمس فلا يليق بى أن أحادثك وأغفل عن هذا الحدث العظيم ولنكمل حديثنا بعد انتهاء المراسم.

انهمك "البحر" فى طقوسه الخاصة بينما شرد علاء ناظرا بعينيه إلى السماء غير عابئ بموكب الشمس المغادرة... وإذا به يرى نفسه ينتقل إلى مكان آخر!

إنه يسير فى حديقة منحها الربيع كامل سحره وجماله.. يداعب أنفه عبير زهور لم يعرف مثل روعتها من قبل فيسرع الخطى فى اتجاه هذا العبير ليرى نفسه محاطا بأزهار بيضاء رائعة الجمال... كان حريصا كعادته أن يحافظ على حياة الأزهار وألا يؤذى هذه المخلوقات الجميلة التى تهبه السعادة.

ثم يرى "طيارة ورقية" ملونة بألوان قوس قزح فيستيقظ الطفل بداخله ليركض خلفها لعله يتمكن من الإمساك بخيطها المتدلى بالقرب من الأرض... يسرع إليه بينما يسمع صوتا يئن تحت قدمه فيلتفت إليه ليجدها زهرة جميلة بلون السماء الصافية قد التوى عنقها تحت وطأة حذائه الراكض نحو خيط "الطيارة الورقية".

بوثبة رشيقة استطاع أن يلتقط طرف الخيط ليشعر أنه قد امتلك العالم بين يديه فتلمع عيناه.... لكن عيناه وقعتا على ثلاثة ظلال لهم وجوه الذئاب وأجساد البشر يحيطون بطفلة تحتضن دميتها إلى صدرها بشدة خائفة تبكى فأفلت خيط "الطيارة الورقية" ليهرع إليها واستل سيفه من غمده ليقاتلهم وقد أقسم أن يفصل رؤوسهم عن أجسادهم لكن شرارة الغضب فى عينيه أرعبتهم أكثر من بريق سيفه ففروا هاربين بلا أثر.

ضحكت الطفلة بفرحة واحتضنته فامتلأ قلبه بالدفء والصفاء و الفرحة لفرحتها.. طبع قبلة أب حنون على جبهتها.... نظرت إليه بعينيها البريئتين الرائعتين ثم قالت له: ما رأيك أن تلعب معى؟

ضحك قائلا: ولكن ما اللعبة؟
ردت: أختبئ منك وتبحث عنى.

وافق "علاء" وأحب أن يشاركها اللعب.. أغمض عينيه ليمنحها فرصة الاختباء ثم فتحهما وراح يبحث عنها وهو سعيد باللعبة التى تسعدها... لكن بحثه عنها قد طال وطالت فترة اختبائها فتسلل القلق إلى قلبه وراح ينادى عليها فى كل مكان... يبحث عنها والخوف يغرس أنيابه فى فؤاده بلا رحمة.... لم يكف عن النداء وانطلقت دموعه فيضانا وقلبه الجرىء يرتعش خوفا داخل صدره.

وإذا بها تعود إليه مرة أخرى فيجتمع ضحكه وبكاؤه فى وقت واحد فيحتضنها مرة أخرى فتطبع هى هذه المرة قبلة على جبهته وتهديه دميتها وتودعه لتسير على سلم خفى يمتد من الارض إلى السماء تحيطها أشعة الشمس الذهبية.

فسألها متعجبا: من أنت؟
ابتسمت قائلة: أنا "بنت الشمس".

استيقظ "علاء" ليجد "البحر" ناظرا إليه مبتسما كأنه كان يتأمله... ووجد الشمس قد جمعت آخر أشعتها لتسافر إلى مكان جديد.... ووجد يديه مضمومتين فوق صدره وبينهما دمية "بنت الشمس".








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة