كلما تحدثت أو كتبت عن قيمة الأمل وأهمية بثه فى القلوب والنفوس برز من يصر على حقران تلك القيمة وربما السخرية منها وتسفيهها وأصر على قطع الطمع فى تغيير الواقع وتحسن الحال وجزم أو كاد أن يجزم بأنه لا فائدة ترتجى من الناس، ونسى أن من قال هلك الناس فهو أهلكهم كما صح عن نبينا، صلى الله عليه وسلم،. والحقيقة أن قطع الطمع فى تغيير النفس أو الآخرين ليس من اختصاص البشر والذى يقع فيه البعض من الجزم بمآل الناس بشكل قاطع وحاسم هو أمر يحتاج إلى إعادة نظر خصوصا عند استحضار تلك الكلمة القرآنية التى وُصف بها فعل نبى الله يونس عليه السلام حين قرر من تلقاء نفسه أن يغادر القوم الذين أُرسل إليهم. كلمة أبق... ويا لها من كلمة، إنه اصطلاح يوصف به العبد الذى غادر سيده بغير إذنه، ولماذا هذا الوصف الشديد؟ هذا ببساطة هو ما أتحدث عنه، أمر من شأن الخالق وليس للعبد أن يقرر قطعه من تلقاء نفسه، إنه الأمل.
الأمل فى هداية الخلق وتغييرهم للأفضل، هذا الأمل لا يجزم بقطعه من دون وحى منزل من الله.
وحى كالذى قيل لنبى الله نوح عليه السلام: «إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن». لاحظ متى قيلت ومن القائل.. لقد قيلت بعد ألف سنة إلا خمسين عاما.. ومن قالها هو الله الذى يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. ولاحظ أيضا كيف كان حال نوح قبل هذا القطع من الله. دعوة متفانية لمئات السنين وبكل الأسباب الممكنة ولقوم نفوسهم يقينا من أبشع النفوس وقلوبهم من أقسى القلوب وكفى بإصرارهم على كفرهم ونسبته الساحقة دليلا على ذلك المحل الفاسد الذى ما آمن منه إلا قليل. ومع هذا لم ييأس نوح ولم يكل أو يمل ولم يدع عليهم أو يسخر منهم إلا بعد هذا الإخبار الإلهى ألا فائدة منهم ترتجى ولا صلاح منهم ينتظر. فهل لدى قاطعى الأمل فى الناس اليوم مثل هذا الخبر اليقينى؟!
وبالأمل فى التغيير والإصلاح خلد ذكر الناهين عن السوء فى قصة أصحاب السبت، أولئك الذين حاول المثبطون تخذيلهم وإبطاء دعوتهم ونصحهم متحججين بهلاك الناس لا محالة ومدعين أنه لا سبيل لهدايتهم ولا قيمة لوعظهم ودعوتهم فقالوا: «لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا»؟ فكان الرد من الناهين عن السوء حاسما ساطعا براقا: «قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ».
لاحظ الأمل فى قولهم: لعلهم يتقون، لا تدرى مصيرهم مهما بلغ غيهم فلعلهم فى النهاية.. يتقون.
طالما لم تطلع الشمس من مغربها ولم يغرغر المرء بعد ولم ينزل من عند الله نبأ يقطع الطمع فى تغييره ويغلق بوابة الرجاء فى عودته، وطالما لم يجزم وحى منزهٌ معصومٌ بفساد مآله واستحالة هدايته، فلم تزل الفرصة قائمة ولم يزل باب المعذرة لربنا مفتوحاً على مصراعيه ولم تزل المحاولة وبذل الوسع خياراً وسبيلا ولعلهم يتقون. أما إن كان هناك ما يضاد هذا الذى سبق فعندئذ فقط.. ينقطع الأمل.