مشهد مؤسف ومحزن تكرر على مرأى ومسمع العالم. أجمع دون أن ينتفض الجميع، ويثور لهدم آثار واحدة من أهم وأقدم حضارات الأرض!
كيف تقف منظمة اليونسكو وغيرها من الجهات المعنية بالحفاظ على آثار الإنسانية وحمايتها من أن ينالها أى أذى مكتوفة الأيدى لا يخرج عنها سوى بعض التنديدات؟ أم أن الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية يروقها ما ترتكبه عصابات المتطرفين المأجورين بآثار الإنسانية، وربما يسعدها أن تمحى هذه الحضارات من على وجه الأرض وسرعان ما يتم تجاهل سيرتها فى كتب التاريخ فى العصور القادمة، وهذا غاية المراد !
فحضارة ما بين النهرين من أقدم وأعرق الحضارات الإنسانية الملاحقة للحضارة الفرعونية المصرية القديمة، فقد قامت على أرض العراق الحضارة الأكادية والسومرية والبابلية والآشورية والكلدانية، والتى امتدت على مدار ثمانية آلاف عام، وتركت هذه الحضارات الفخيمة الكثير من الآثار الثمينة، التى تعكس وتدلل بقوة على ثراء وتقدم تلك الحضارات العتيقة العظيمة، فقد خرجت أول القوانين المكتوبة، والتى عرفت بشريعة حمورابى عن حضارة بلاد الرافدين.
ذلك لأن دول المدنية والديمقراطية الزائفة لا يشغل بالها ما يرتكبه تتار العصر الحديث من تدمير ومحو لآثار الحضارة العراقية، مثلما لا يكترثون بشكل حقيقى بما يرتكبه هؤلاء المجرمون من جرائم بشعة فى العراق وسوريا وليبيا وغيرها من الدول، التى نجح فى التسلل إليها هؤلاء القتلة المأجورين.
إن أفعالهم لا تعكر صفو هذه الدول كثيراً، بل تحقق لهم ما ينشدون فى ضرب وزعزعة الاستقرار وانهيار المنطقة كى يخلو لهم إحكام السيطرة والجلوس بأريحية على تلال الخراب المنشود !
وبما أننا أدركنا أبعاد الموقف الغربى بزعامة أمريكا فيما يُرتكب من جرائم فى حق الإنسانية والتاريخ العريق الذى بدأ فجر ضميره من فوق هذه القطعة من الأرض تحديداً (بداية من مصر)، والتى لا يعنيها كثيراً أن تتصدى بشكل فعال لما يحدث!
فعلينا إذاً بإدراك أمورنا والانتفاض سريعاً كدول عربية معنية بخطورة الموقف، لتشكيل قوة موحدة ونحن أهلٌ لذلك إن صدقنا النية ونحينا الخلاف جانباً، كى نستطيع مواجهة هذا العدو الغاشم الذى لا يعلم أى شىء عن معنى الإنسانية، والمدعوم ضمنياً من أطراف خارجية يسعدها ويثلج صدورها ما ينالنا من تفكك وانهيار كأمة عربية قد تشكل خطراً جثيماً عليهم فى حال إن توحدت !
فإن كان الدواعش المجرمين قد هدموا معبداً أثرياً تلو الآخر فى مدينة الموصل، كما قام عناصر التنظيم بتفجير مسجد السيدة نفيسة، الذى يعود للقرن السابع هجرى والثالث عشر ميلادى وهو أحد المزارات الرمزية وسط مدينة الموصل وجامع (الخضر) الذى يعود للقرن التاسع الهجرى وغيرها من المساجد الأثرية، هذا وقد اختتم الجهال سلسلة تفجيرات المدن الأثرية بمدينة (خورسيباد) شمال الموصل بعد تفجير مدينتى (النمرود والحضر)، ونحن نشاهد الموقف عاجزين عن أى رد فعل لإنقاذ الموقف، فليس بعيداً أن يمتد زحفهم ليطال آثار سوريا وليبيا و(مصر) المقصد والهدف المنشود !
هل تخيلنا للحظة أن يمتد هذا الكابوس المخيف لنرى الدواعش يهدمون معبد الملكة حتشبسوت أو معبد أبى سمبل أو تمثال أبى الهول؟ مثلما يعد هذا التصور كابوساً بعيداً عن الخيال، ونحن بإذن الله بمأمن عنه، فهدم آثار حضارة بلاد الرافدين العريقة لا يقل قسوة عن هدم الأهرامات- لا قدر الله !
فلننتفض جميعاً كدول متضررة من هذا الأذى الفادح ولا ننتظر تدخلا من لا يهتز لهم طرف فيما نعانيه، ولننقذ آثار العراق لنحمى ونؤمن آثارنا ونحفظ تاريخنا .