دقة المعلومة وإتقان العمل إذا امتلكتهما أمة امتلكت التقدم والرقى، وإذا غابا حضر الفشل بأعراضه وأمراضه.. عنف، وبطالة، وشائعات، وحالة اللايقين، وزيادة معدلات الشك والجهل، وزيادة دوائر الطمع والجهل.
دقة المعلومة وإتقان العمل يحسبونهما من المشكلات البسيطة ولكنهما «أم الكبائر»، وفى ضعف علاقتنا بدقة المعلومات لا تستثنى جهة فى مصر، منها الاعتماد على الثقافة الشفهية وتصديق الشائعات و«الفتْى» فى كل المجالات لنا منه جميعا نصيب ونمارسه عن قصد أو بقوة اللادقة واللامعلومة صحيحة.
من منا يرعى الدقة ويدرك أن الكلمة حرمة؟ من منا لا ينساق وراء آراء شخصية ويتعامل معها باعتبارها حقائق وأحيانا باعتبارها الحقيقة الوحيدة، وبالتالى يبنى عليها وكأن مصنع الحقيقة وقوده أكاذيب وكلام مرسل وآراء غير موضوعية، والمصيبة أن يصبح ذلك حقيقة من الموروثات التى كنا نوقن بها أن ما بنى على باطل فهو باطل، ولكن فى ظل شيوع المعلومات غير الدقيقة والشائعات بأنواعها والروايات التى ترتدى ثوب الحقيقة وهى أكاذيب، أصبحت هذه النظرية معكوسة، فما بنى على الأكاذيب أو اللادقة أصبح واقعا لتبدأ مراحل الظلم، فكم من أكاذيب أصبحت حقائق لأننا نريد تصديقها، وكم من شائعات دمرت وقامت بالاغتيال المعنوى، وكم من استسهال المعلومات وانعدام دقتها وعدم السعى وراء الدقة والحقيقة ثم على أثرها سجن أبرياء وحبس مظاليم وإهانة محترمين.
نحن فى دوائر الظلم لا نبالى بحماية الضعيف وكرامة الفقير وإنسانية المظلوم، صناعة التشريع فى مصر تسهم فى تضخم الظلم وإجراءات التقاضى والعدالة البطيئة قوة تدمير إنسانية وإلحاق الأذى والمهانة والظلم، وعندما يأتى الظلم حين نكون فى «حضرة» العدل لأن القانون إما عاجز وإما مشبوه وإما مكبل بالثغرات أو لا ينفذ، حينها لا يكون العدل أساس الدولة ولا يكون القضاء ملاذ الناس.
دقة العمل عندما تغيب فهى تعنى الاستسهال والضعف، وثم البطالة والفقر، الإتقان أساس العمل ولكن من منا يراعى الإتقان؟ ومن منا يتجاوز الإتقان إلى الإبداع؟ ومن منا يتمسك بالدقة منهجًا؟.. لو كنا نمتلك الدقة والإتقان لما كانت هناك بطالة، ففرص العمل متاحة لمن يملك مؤهلاتها، وإلا ما وجد الصينيون والسوريون وغيرهم فى مصر فرصا للعمل، بل التميز فيه وصناعة اسم، فالعمل ليس فقط لضمان حياة كريمة، بل لتأكيد الإتقان والتميز، وفى غياب دقة العمل ظلم للوطن ولأنفسنا وللمستقبل، المجتمع ومؤسساته، وخاصة التشريعية والرقابية والثقافية منه، تحتاج إلى إعادة صياغة وخلق بيئة سليمة لا تعانى ضعفا أو «خيبة» معلومة ولا تنسج شائعات وروايات ولا تصفعها اللادقة واللاإتقان واللاعمل، نحتاج إلى إعادة صياغة لنهدم الظلم بكل صوره، نحن نرضى بالظلم فنؤسسه ولا نراعى وطنا ولا أجيالا قادمة يجب أن تتسلح بالدقة والإتقان، ويجب أن نعيش فى أجواء صحية لا يلتبس فيها الشك باليقين، ولا نستبدل بالعدل فيها الظلم الذى نظنه عدلا، ولا الأكاذيب التى ترسخها حقيقة.