المجتمع هو الأصل، ووحدة المجتمع هو الإنسان، ولا يجب أن نستهين بالإنسان أبدا، فمنه تبدأ الحضارة والثقافة وإليه تنتهى، وليست الشخصية القومية شيئا ثابتا لا يتغير، فهناك تغير فى الشخصية القومية وفق اللحظة التاريخية التى تعيشها والتحديات التى تواجهها.
شهدت مصر نهضة كبرى أيضا فى عهد إسماعيل حفيد محمد على، الذى سير أكثر من حملة إلى إثيوبيا لكى يمنع أى تدخل إثيوبى يهدد مسار النيل حياة المصريين إلى مصر، فمصر هبة النيل كما قال هيردوت، ومن ثم فمياه النيل أمن قومى وخط أحمر، لا يمكن لأى حاكم أن يفرط فى الإغضاء لمن يحاول إقامة سدود على هضبة إثيوبيا لمنع تدفق النيل إلى مصر، كانت مصر مثلا يحتذيه اليابانيون إلى حد إرسالهم بعثات فى نهاية القرن التاسع عشر للتعلم من نهضة المصريين، وقد كانت مصر فى نظافة شوارعها وفى إبداعها وفى سلوك أبنائها نموذجا يحتذى به، حتى إننا حين نشاهد بعض آثار مصر فى فترات سابقة ونقارنها بحالنا اليوم نستغرب جدا ونقول كيف جارت علينا الأيام وتحولت بنا السنون والدهور؟
إذن ليس العيب فى الإنسان فهو قابل أن يكون جيدا وإنسانا وقابلا بما منحه الله من فطرة طيبة أن يكون تعبيرا عن الخلق الرفيع والإنسانية الراقية، وإنما العيب فى النظام الذى يمكن أن يجعل ذلك الإنسان غير واثق من نفسه، مترددا، يرى المشاكل متراكمة لا يمكن حلها، لا بد وأن يستعيد المصريون الثقة فى أنفسهم، وكنا قد قرأنا كتابا منذ فترة يقول: «اليابان يمكنها أن تقول لا» طبعا للنفوذ الأمريكى، ويجب على المصريين أن يصنعوا كتابا لأنفسهم بعنوان «مصر يمكنها أن تفعل»، ولكن السياق مهم والقدوة مهمة، والنظام السياسى هو الذى يعطى معنى القيم للناس، فالناس كمواطنين هم ظل لنظمهم السياسية ولمجتمعاتهم، ولا يستقيم الظل والعود أعوج، ومن هنا مهم جدا استقامة النظم السياسية وصلاحها وشفافيتها وحسن إدارتها وحوكمتها أى استخدام طرق الحكم الرشيد فى سياسة الدنيا والإنسان. كنت مريضا أتابع مع الأطباء بعض ما أصابنى، فلم أتابع إلا قليلا مما نوقش فى المؤتمر الاقتصادى، وكانت هناك مفاهيم جديدة تتحدث عن الحكم الرشيد وتتحدث عن نبذ الاحتكار وضرورة المنافسة الاقتصادية والشفافية ومقاومة الفساد والبيروقراطية، وحقوق الناس، قلت كل ذلك خير، فنحن ندخل لنكون جزءًا من منظومة عالمية لا يمكن فيها أن ترفع قيم حاكمة فى الاقتصاد دون السياسة والثقافة والمجتمع والإنسان الذى يجب أن يستعيد ثقته فى نفسه وفى حاضره وغده.