لا يمكننا أن نهرب إلى الماضى لو أردنا أن نواجه المستقبل فالأمر أشبه بأن تضيع محفظتك فى شارع مظلم وتبحث عنها فى شارع مضىء.
وإن من النادر أن تجد نورا فى أى شارع الآن مثلما هو نادر أن تجد نقطة ضوء فى تاريخنا الغابر.
فماضينا كله حلقات متوالية من الاستغلال والاحتلال والمهانة لهذا الشعب الصبور، لذلك تعجبت من انتشار مجموعة كبيرة من الأفلام الوثائقية التى تمجد وتتغنى بملوك الأسرة العلوية بداية من محمد على وحتى الملك فاروق ويتم تداول هذه الأفلام بشكل مكثف ومريب على الإنترنت والهواتف المحمولة وتتضمن مجموعة كبيرة من الصور التى تمثل هذه الفترة التاريخية «1805: 1952» تحت عناوين كثيرة منها «مصر العظمى - الزمن الجميل - الإمبراطورية العلوية - الملك الأخير».
ورغم أنى لست من المتعصبين لثورة يوليو وأعرف أن سلبياتها توازى إيجابياتها وتبهرنى مثل الكثيرين صور القاهرة القديمة والملك وبلاطه، إلا أن جمال هذا الزمن كان يقف عند حدود تلك الطبقة فقط، فقد كانت مصر مستعمرة من الإنجليز ويعامل أبناؤها معاملة درجة ثالثة بعد الأوربيين والأتراك والألبان وكان أغلب الإقطاعيين يتحكمون فى مصائر الناس بفسادهم ونفوذهم الطاغى حتى أن أغلب الفلاحين كانوا يعملون بالسخرة. نعم الصور جميلة والشوارع نظيفة لكنها بلا روح ولا ناس.
مجرد لوحات جميلة التقطت ليفتخر بها الملك وليعلن الاحتلال الإنجليزى أن الدول الخاضعة له تعيش فى سعادة ورخاء لكن الحقيقة المرة كانت مختبئة فى قلوب ملايين الفقراء والمعدمين. ونمو النشاط الاقتصادى وارتفاع سعر الجنية المصرى وقتها سببه أن أوروبا وأمريكا كانتا منهكتين فى الحرب العالمية الثانية لذلك كانت عملتنا هى الأقوى واستقرارنا الاقتصادى كان سببه أن أغلبه تحت سيطرة الإقطاعيين أو الإنجليز. أسوأ ما أثارنى فى انتشار هذه الأفلام القديمة أنى قرأت العديد من تعليقات الشباب التى تقول إن مصر كانت جميلة لأنها كانت تحت حكم أجانب وأننا لو خضعنا للاحتلال مرة أخرى سنكون أفضل بكثير.
فشبابنا للأسف لا يعرفون الفرق بين الصور الجميلة والحقائق المؤلمة بل يتلاعب بهم المتآمرون ليشوهوا صورة الجيش الذى تولى الحكم بعد الملك بل ليشوهوا تجربة المصريين أنفسهم فى الحكم وأنا لا أدافع عن الضباط الأحرار أو أمجد فى الملك لأنى أعرف أن ما أنيل من سيدى إلا ستى. ولكنى خائف أن نظل فى عتمة أوراق الماضى الكئيبة فى الوقت الذى لا نستطيع أن نكتب فى المستقبل سطرا واحد مضيئا.