اختتم أمس مؤتمر الرواية العربية فعالياته، وسط شعور الكثير من المثقفين بالسعادة لإقامة حدث ثقافى كبير على أرض مصر بعد توقف دام ست سنوات، فقد أعادت هذه الدورة المتميزة من دورات مؤتمر الرواية البريق لاسم الروائى الكبير فتحى غانم، وجمعت بين مثقفين من طراز رفيع من جميع أنحاء الوطن العربى، وأعادت مصر مرة أخرى إلى تصدر صفحات الثقافة فى العالم العربى، لكن السؤال الآن: هل استغلت مصر هذا الحدث المهم على النحو الأكمل، أم مر دون أن نستفيد منه بما ينعكس إيجابيًا على واقعنا؟
دعنى أجيب عن هذا السؤال بسرد تفاصيل بعض المواقف التى عشتها منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، كنت وقتها أتابع بشغف عروض مهرجان المسرح التجريبى، أتنقل ما بين المسارح المختلفة بحثًا عن المتعة والفهم والرؤى، وأنا أحب المسرح بكل تفاصيله، أحب تفاعل الإضاءة مع الموسيقى، وأحب تشكيل الحركة وأداء الجمل الدرامية وتعبيرات وجه الممثلين، وقد كان مهرجان المسرح التجريبى بالنسبة لى موسمًا سنويًا للشغف، ولأن الفرق التونسية غالبًا ما تتميز فى إتقان هذا الفن الشامل، فقد تعرفت إلى بعض شباب تونس المبدعين الذين أتوا إلى هذا المهرجان الموصوم بالانتقاد، وحينما تبادلنا النقاش قال لى أحدهم إن هناك عرضًا مهمًا سيقام فى الغد ولابد أن أحضره، فاعتذرت له لأننى وقتها سأكون فى إحدى الأمسيات الشعرية، فسألنى مستفهمًا: مَن مِن الشعراء سيحضر الأمسية؟، فذكرت له بعض الأسماء، وكان من بينهم الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى، فتهلل وجه الممثل التونسى الشاب وابتهج، طالبًا منى أن أصطحبه إلى الأمسية لأنه يريد أن يرى «حجازى» ويسمعه، ولما رحبت بالفكرة ظل طوال اليوم يشكرنى لأننى سأتيح له هذه الفرصة الغالية!
بعد هذا الموقف سألت نفسى: ألهذه الدرجة لا ندرك نحن المصريين ما يميزنا فى العالم العربى، ولا ندرك قيمة المبدعين الكبار الذين يعيشون بيننا؟، نفس الموقف تعرضت له مرة أخرى حينما تعرفت إلى بعض الممثلين النمساويين الذين كادوا أن يبكوا لأنهم لم يروا الأهرامات بعد، ولم يزورا المتحف المصرى، ولم يشاهدوا مقبرة توت عنخ آمون، ووقتها تعجبت: كيف تكلف مصر نفسها ملايين الجنيهات لإقامة هذه المؤتمرات دون أن تكلف نفسها عناء الإعلان عن إمكانياتها، ونقاط تميزها لمن تدعوهم إلى أرضها؟، فكل عام يأتى مئات المبدعين الأجانب ويذهبون دون أن يروا مصر الحقيقية، ولا ندرك أننا بهذا الإهدار المعتاد نقصر فى حق مصر فى الإعلان عن نفسها.
مئات المبدعين والصحفيين يأتون إلينا كل عام، لكننا لا نستغل هذه المناسبة لنرسخ قيمة مصر فى وجدانهم بالشكل الذى ينعكس إيجابيًا على واقعنا، وأنه من العجيب ألا نستفيد من «مؤتمر الرواية» بنفس الآلية التى استفدنا بها من مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة