لم يعننى كثيرا الحكم القضائى باعتبار حركة حماس «إرهابية»، فالحركة بممارساتها أخذتنا مشاوير «رايح جاى»، مشوارا كنا نصفق فيه لها حينما كانت تحمل البندقية ضد محتل بغيض، وقت أن كان شعارها: «لا صوت يعلو فوق صوت المقاومة»، ثم مشوارا تبدد فيه رصيد الإعجاب، فلم نعد نصفق لها منذ أن ضاقت بـ«نبل المقاومة» وبحثت عن «رجس السلطة»، وأعجبها لعب دور «الرئيس» و«الحكومة» و«البرلمان»، متناسية أن هذا يحتم عليها مسؤوليات لابد من محاسبتها حال تقصيرها فى القيام بها، مثل التعامل مع إسرائيل، وضبط الحدود مع مصر، وأشياء أخرى.
لم تتعامل «حماس» وهى فى السلطة بوصفها تعبيرا عن شعب، وإنما تعبير عن «جماعة» هى جماعة الإخوان، فمارست سياسات فيها خليط من «غباء واستعلاء الجماعة» مع «أمراض السلطة»، ليأتى الحصاد مرا، وانكشفت مرارته من تلك اللحظة التى وجدنا فيها أرضا فلسطينية يديرها «محمود عباس أبومازن» وأرضا فلسطينية يديرها «إسماعيل هنية»، وبينهما ضربت إسرائيل تعظيم سلام لهذا الانقسام، وظلت تضرب وتضرب كلما كانت تفشل الجهود الرامية إلى إنهاء هذه الحالة.
أضافت نتائج ثورات الربيع العربى مرارة فوق المرارة بالنسبة للقضية الفلسطينية، لنأتى إلى ما يمكن تسميته بـ«الحالة الإسرائيلية»، وقصدى من هذا التوصيف لا ينصرف إلى إسرائيل التى كانت تعانى طوال عمرها الاستعمارى البغيض من رعب داخلى، بسبب احتمالات يومية لعمليات فدائية ضدها حتى أدى ذلك فى وقت ما إلى تزايد «الهجرة العكسية»، أى النزوح منها بمعدلات متزايدة، وإنما إلى إسرائيل التى يتحدث قادتها الآن عن أنهم يعيشون فى حال أكثر طمأنينة من البلدان العربية مثل، العراق، ليبيا، اليمن، وسوريا، فلا عمليات فدائية توجد، ولا «رجولة عربية» فى مقاومتها.
«الحالة الإسرائيلية» تجدها كلما وقعت عيناك على خبر يقول إن بلدا عربيا أصبح ضد بلد عربى آخر، وإن «داعش» نفذت عملية إرهابية، وضمت أمتارا جديدة إلى مساحتها، وكسبت أنصارا جددا، فهذا هو «جوهر المطلوب» الذى يعبر عن حالة تصنعها هى، وتسهر على تنفيذها عبر أنصارها، الذين قد تجد فيهم من يتحدثون عنها بوصفهم أشد الأعداء لها.
«الحالة الإسرائيلية» موجودة فى «الخراب النفسى» الذى يعيشه كل «عربى» حاليا والناتج من عدم اليقين بشىء مما سيأتى به الغد، والناتج من هذا الإرهاب الذى يشنه الإرهابيون الذين يرون فينا «العدو القريب»، أما إسرائيل فهى «عدو بعيد» لم يأت بعد موعد مقاومته.
«الحالة الإسرائيلية» موجودة فى تعامل بعضنا مع القضية الفلسطينية وكأنها «حماس» أو «عباس»، وبالتالى نحكم على الشعب الفلسطينى من هذه الزاوية.
أقول إن فهم هذه «الحالة» هو ما يعنينى أكثر مما يعنينى حكم القضاء باعتبار «حماس إرهابية»، فالحكم يمكن إلغاؤه فى درجة تقاضى أخرى أمام المحاكم، لكن «الحالة الإسرائيلية» التى تتعمق كل يوم على أرضنا ستحتاج إلى زمن طويل لإلغائها وإلغاء آثارها الخطيرة، وراجعوا الأمر منذ أيام السادات حينما زعم الإعلام أن الفلسطينيين باعوا أرضهم،فمهد الأرض لتلك «الحالة».
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة