وهل كان حكم الدستورية العليا ببطلان قانون تقسيم الدوائر مفاجأة؟ لا طبعا، لأن مصر كلها، مواطنيها قبل قانونييها كانوا يعرفون أن القانون يتضمن عوارا دستوريا والمحكمة حتما ستصدر حكما بالبطلان اليوم أو غدا، إذًا ولماذا وصلنا إلى عتبة المحكمة الدستورية التى وضعت البلد فى مأزق قانونى، وترتب عليه تأجيل الانتخابات البرلمانية إلى أجل غير معلوم لحين التقسيم الجديد للدوائر، لماذا؟ لأن دولة عاقلة بحجم مصر بعد ثورتين لم تتعلم بعد من أخطائها السابقة، وتكررها بنفس السيناريو والأسلوب.
قالوا عن تقسيم الدوائر إنه قانون معيب، بينما قالت لجنة الإصلاح التشريعى إنه القانون الأمثل فى مصر، قالوا عن قانون تقسيم الدوائر إنه مهدد بالبطلان، بينما قالت لجنة الإصلاح التشريعى إنها حصنته من أى بطلان، قالوا إن تقسيم الدوائر يحتاج لحوار مجتمعى، بينما قالت لجنة الإصلاح التشريعى إن كل حزب يريد قانونا على مقاسه الخاص، فخرج القانون بصورة لجنة الإصلاح التشريعى مفتقدا باقى الآراء القانونية، وفى النهاية بدلا من أن تحمينا لجنة الإصلاح التشريعى، تجاهلت كل الأصوات ووضعتنا أمام مشهد لدولة تبدو مرتبكة، خاصة أن مؤسساتها القانونية ولجانها التشريعية فشلت فى أن تصدر قانونا يخلو من عوار دستورى.
سؤال آخر: لماذا بدأنا ماراثون الانتخابات البرلمانية وفتحنا أبواب الترشح للانتخابات وشغلنا القاصى والدانى واشترطنا الكشف الطبى، ونحن نعلم أن «الفأر يلعب فى قانون الانتخابات»؟ لماذا اشترطنا على مرشح أن يجرى كشفا طبيا وينفق 4 آلاف جنيه، واشترطنا عليه تأمين خوض الانتخابات، فينفق كل مرشح 5 آلاف جنيه، وفى النهاية يجد المرشح اسمه فى القوائم ممن سيخوضون الانتخابات، وبعد أقل من 4 أيام، تظهر تلك القوائم بوجهها الحقيقى، قوائم على ورق فقط، هى والعدم سواء.
إن اتفقنا على إطلاق اسم «موقعة البطلان» على المشهد الحالى، فتلك الموقعه أول خط لعدم ثقة المرشح أو المواطن أو الناخب فى دولته، التى تتحفز وتستعد كل مؤسساتها للانتخابات، فى حين تتوقف الانتخابات وتتعطل لأجل غير مسمى لأن القانون المنظم لها معيب، الشك فى العلاقة بين المواطن والدولة لا يجب أبدا الاستهانة به، لأن الواقع المصرى يتضمن مزيدا من الأخطاء فى إدارة الدولة، قد تؤدى إلى نتيجة سلبية حال إمداد الخط على استقامته لا قدر الله.